الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، [البقرة: ١٨٧]، وقوله:{والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا}[الفرقان: ٦٧]، فلم يذكر ماذا ينفقون، وقوله:{هو يطعم ولا يطعم}[الأنعام: ١٤]، أي متصف بصفة الإطعام، دون تقييد بصنف معين ولا طعام معين.
ومن هذا الباب قوله:{هو الذي يحيى ويميت}[غافر: ٦٨]، وقوله:{وأنه أضحك وأبكى، وأنه أمات وأحيا}[النجم: ٤٣ - ٤٤]، أي متصف بصفة الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء، ومنه قوله {لم يلد ولم يولد}[الإخلاص: ٣]، فلم يذكر ما يلد ولو ذكر لفسد المعنى.
فالمفعول في مثل هذه التعبيرات غير مراد ولا يصح تقديره ولو كان الفعل متعديا في الأصل، لأن تقدير، أي مفعول مفسد للمعنى، فهذا إنما يكون بحسب قصد المتكلم - كما أسلفنا - فقد يقصد إلى أنه يخبر بمجرد الحدث أو أن يخبر بالحدث، منسوبا إلى فاعله، أو أن يخبر بالحدث وقع عليه. جاء في (دلائل الإعجاز): " إذا اريد الإخبار بوقوع الضرب ووجوده في الجملة من غير أن تنسب إلى فاعل، أو مفعول أو يتعرض لبيان ذلك، فالعبارة فيه أن يقال: كان ضرب، أو وقع، ضرب أو وجد ضرب، وما شاكل ذلك من الفاظ تفيد الوجود المجرد في الشيء.
وإذ قد عرفت الجملة فاعلم أن أغراض الناس تختلف في ذكر الأفعال المتعدية، فهم يذكرونها تارة ومرادهم أن يقتصروا على إثبات المعاني التي اشتقت منها للفاعلين من غير أن يتعرضوا لذكر المفعول به فإذا كان الأمر كذلك، كان الفعل المتعدي كغير المتعدي مثلا في أنك لا ترى له مفعولا لا لفظا ولا تقديرا، ومثال ذلك في قول الناس: فلان يحل ويعقد، ويأمر وينهى، ويضر وينفع وكقولهم: هو يعطي ويجزل، ويقري ويضيف المعنى في جميع ذلك على إثبات المعنى في نفسه للشيء على الإطلاق وعلى الجملة، من غير أن يتعرض لحديث المفعول، حتى كأنك قلت: صار إليه الحل والعقد صار بحيث يكون منه حل، وعقد، وأمر، ونهي، وضر، ونفع وعلى هذا القياس.