للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى ذلك قوله تعالى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: ٩]، هل يستوي من له علم ولا علم له، من غير أن يقصد النص على معلوم، وكذلك قوله {وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا} [النجم: ٤٣ - ٤٤]، المعنى هو الذين منه الإحياء والإماتة .. ألا ترى أنك إذا قلت (هو يعطي الدنانير) كان المعنى على أنك قصدت ان تعلم السامع ان الدنانير تدخل في عطائه وأنه يعطيها خصوصا دون غيرها وكأن غرضك على الجملة بيان جنس ما تناوله الإعطاء لا الإعطاء نفسه (١).

وجاء فيه: " وإن أردت أن تزداد تبيينها لهذا الأصل - أعني وجوب أن تسقط المفعول لتتوفر العناية على إثبات الفعل لفاعله، ولا يدخله شوب، فانظر إلى قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وابونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} [القصص: ٢٣ - ٢٤].

ففيها حذف مفعول في اربعة مواضع، إذ المعنى وجد عليه أمة الناس يسقون أغنامهم أو مواشيهم، وامرأتين تذودان غنمهما وقالتا لا نسقي غنمنا فسقي لهما غنهما. ثم أنه لا يخفي على ذي بصر أنه ليس في ذلك كله إلا أن يترك ذكره ويؤتى بالفعل مطلقا، وما ذاك إلا أن الغرض في أن يعلم أنه كان من الناس في تلك الحال سقي، ومن المرأتين ذود. وأنهما قالتها: لا يكون منا سقي حتى يصدر الرعاء، وانه كان من موسى عليه السلام من بعد ذلك سقى. فأما ما كان المسقي أغنما أم أبلا غير ذلك، فخارج عن الغرض، موهم خلافه. وذاك أنه لو قيل: وجد من دونهم امرأتين تذودان غنمهما، ولم ينكر الذود من حيث هو ذود، بل من حيث هو منع غنم، حتى لو كان مكان الغنم ابل، لم ينكر الذود، كما إنك إذا قلت: مالك تمنع أخاك.؟ كنت منكرا المنع، لا من حيث هو منع، بل من حيث هو منع أخ" (٢).


(١) دلائل الإعجاز ١١٨ - ١١٩
(٢) دلائل الإعجاز ١٢٤ - ١٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>