ومما ورد مذكورا معه مفعول المشيئة، قوله تعالى:{قل ما أسئلكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا}[الفرقان: ٥٧]، وقوله:{لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر}[المدثر: ٣٧]، وقوله:{إلا أن يشاء ربي شيئا}[الأنعام: ٨٠].
أما بالنسبة إلى الأمر الثاني، وهو إخال أفعال الإرادة مع افعال المشيئة، فإنه - وإن كان مقبولا في القياس لم أجد ما يؤيده في القرآن الكريم، على كثرة ما ورد من هذا الفعل فيه، فقد ورد هذا الفعل مقتضيا للمفعول به في (١٣٦) مائة وستة وثلاثين موطنا، من القرآن الكريم ولم يحذف مفعوله في واحد منها، إلا في عائد الأصل، كقولك تعالى {إن ربك فعال لما يريد}[هود: ١٠٧]، {وإنك لتعلم ما نريد}[هود: ٧٩]، وهذا غير مختص بفعل دون فعل كما هو معلوم، فحذف عائد الصلة المنصوب كثير في عموم الأفعال كقوله تعالى:{أهذا الذي بعث الله رسولا}[الفرقان: ٤١]، أي بعثه، وقوله {ذرني ومن خلقت وحيدًا}[المدثر: ١١].
وهذا الحذف في عائد الصلة ورد في فعل الإرادة في سبعة مواطن، وفي (١٢٩) مائة وتسعة وعشرين موطنا من فعل الإرادة لم يحذف في واحد منها، وذلك كقوله تعالى {وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له}[الرعد: ١١].
وقوله:{فأراد ربك أن يبلغا أشدهما}[الكهف: ٨٢]، {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة}[الأحزاب: ٣٣]، {لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى ما يخلق ما يشاء}[الزمر: ٤]، إلى غير ذلك من الآيات، فلا يصح فيما أرى أن يجعل الإرادة نظيرا لفعل المشيئة في حذف مفعوله، فالفرق بينهما ظاهر في الاستعمال والله أعلم.