قال تعالى:{واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}[النساء: ١]، فذكر فعل التحذير لأن لفظ الجلالة لم يقم مقام التحذير، ولأن هناك سعة من الوقت ولو حذف لقال (الله والأرحام). وعلى مقتضي قول النحاة أن هذا واجبة الحذف، لأنها معطوفة، والحق ما ذكرت، وهو أنه إذا كان المذكور مفيدًا للتحذير من مجرد ذكره، وأنه نائب عن فعل التحذير وكان الزمان يتقاصر عن ذكر الفعل حذف وجوبا، نحو (الحية والعقرب)، وإن لم يكن كذلك ذكرت، فتقول:(احذر الحية والعقرب) وهذا كما يكون في المكرر والمعطوف يكون في المفرد.
ومثله الإغراء قال تعالى:{قل أطيعوا الله والرسول}{آل عمران: ٢٣}، فذكر فعل الإغراء مع العطف لأن الاسم المذكور. لم يقم مقام فعل الإغراء.
وقال:{وأوفوا الكيل والميزان}[الأنعام: ١٥٢] فذكر الفعل لما ذكرت.
وخلاصة الأمر في هذا الباب أن لك أن تقول: إياك أن تفعل واحذرك ان تفعل وإياك أحذر أن تفعل واحذرك إياك أن تفعل، فكل ذلك جائز ولكل قصد ومعنى، فإذا ذكرت إياك وحده كان مفيدا للتحذير بنفسه، وإذا ذكرت أي فعل معه كان التحذير بذلك لا بـ (إيا).
ولك أن تقول (الكذب) و (الكذب الكذب) و (الكذب والخيانة) و (رأسك والحائط) ولك أن تقول: (احذر الكذب) و (احذر الكذب الكذب) و (احذر الكذب والخيانة) و (امنع رأسك والجدار) فيكون التحذير في الجمل الأولى بما ذكرت من المحذر والمحذر منه، وفي الثانية يكون التحذير بالفعل، وإذا ذكرت الفعل معها لم تكن هذه نائبة عن فعل التحذير، ولا مفيدة له، بل يكون التحذير بما ذكرت من الفعل.
ففي كل هذه المسائل يجوز ذكر الفعل وعدمه، ولكن إذا أردت التحذير بالاسم نيابة عن الفعل حذفت الفعل ولم تذكره، وإذا اردت التحذير بالفعل ذكرت الفعل وخرجت الأسماء عن كونها للتحذير.