وتقول أيضا (حضر واستمع الرجال) بإفراد الفعلين على ضعف في رأي الجمهور، ومعناه على مقتضى البصرين كمعنى (حضروا واستمع الرجال) لأن الأول أعملته في الضمير المفرد، والثاني أعملته في الاسم الظاهر.
والذي يبدو لي أن اهتمام المتكلم بالحدثين سواء من حيث الاسناد مختلف من حيث التقديم والتأخير، فإنك تقدم حدثا آخر لملحظ معين، فقد يكون ذلك لتقده في الزمن، أو السبب أو الرتبة، او غير ذلك تقول (استيقظ وأفطر المسافرون) فالاستيقاظ مقدم على الافطار لأنه قبله في الزمن، وتقول:(أقبل ليدرس الطلاب) فالاقبال مقدم على الدرس لأنه سبب له، ونحوه (رسب فبكى الطالبان) فالرسوب سبب البكاء وهو قبله.
وتقول:(اغتاب وبهت المتحدثون) فقدت الغيبة على البهتان، بادئا بما هو أقل وزرا وأهون ذنبا ونحو (همزونم الرجلان) أو لغير ذلك، من الملاحظ والأغراض.
وتقول:(أكرمني وأكرمت محمدًا) و (أكرمت وأكرمني محمدٌ) فما ذكرته وصرحت به أهم عندك مما حذفته ودللت عليه بالآخر، وإيضاح ذلك أنك في الأولى ذكرت نفسك وذكرت الشخص الذي أكرمته صريحا ظاهرا فأخبارك عن إكرامك محمدا أهم عندك من إكرام محمد لك، ولذا سترت فاعل من أكرمك وأظهرت نفسك
وأما الثاني فبالعكس، فإن العناية بمن اكرمك، لا بمن أكرمته، ولذا أظهرت مفعول اكرامه، وحذفت مفعول اكرامك.
جاء في (دلائل الإعجاز): " فانظر إلى بيت البحتري:
قد طلبنا فلم نجد لك في السؤ ... دد والمجد والمكارم مثلا
المعنى: قد طلبا لك مثلا ثم حذف لأن ذكره في الثاني يدل عليه، ثم إن في المجيء به كذلك من الحسن والمزية والمروعة ما لا يخفيى، ولو أنه قال: طلبنا لك في السؤدد والمجد والمكارم مثلا فلم نجده، لم تر من هذا الحسن الذي تراه شيئا.