وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين} [الروم: ١ - ٤]، فلما ذكر أنهم سيغلبون في بضع سنين، علم أن هذا وعد منه وقد أكده بقوله:{وعد الله لا يخلف الله وعده}[الروم: ٦]، ونحوه.
قوله تعالى:{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك .. }[النساء: ١١]، فعلم بهذا أن هذا فرض افترضه علينا في المواريث وقد أكده بقوله:{فريضة من الله}.
فهذه وأمثالها مؤكدة لمضمون الجملة، وليست مؤكدة لعاملها، إذ لو كانت مؤكدة لعاملها ما جاز حذفه، لأن حذف عامل المؤكد ممتنع عند النحاة.
فهذا إذن ليس مؤكدا لعامله، ولا مبينا للنوع، ولا للعدد، وإنما هو قسم برأسه يفيد التوكيد والمصدر المؤكد على هذا هو كل مصدر فضلة غير تابع، دل على معنى ما تقدمه من مفرد أو جملة.
٢ - المبين:
قسم النحاة المصدر المبين إلى مصدر مبين لنوع عامله، ومبين لعدده، كما ذكرنا.
والحق أن التبيين، لايختص بهذين القسمين، بل يكون مبينا لهما ولغيرهما، فقد يكون المصدر مبينا للنوع والعدد، وقد يكون مبينا للمقدار ايضا، وإن كثيرا مما أدرجه النحاة في المبين للنوع ليس كذلك، وإنما هو مبين للمقدار.
فمن المبين للمقدار قولنا (أنا لا أظلمك ذرة من الظلم أو مثقالا من الظلم) فهذا بيان للوزن وهو تعبير مجازي، فإن المصدر لا يوزن، وإنما يقصد به بيان المقدار، ويحتمل أن يكون منه قوله تعالى:{إن الله لا يظلم مثقال ذرة}[النساء: ٤٠]، وذلك أن المعنى يحتمل أن يكون المراد: لا يظلم مثقال ذرة من العمل أو نحو ذلك، فإذا كان المثقال يعود على الظلم كان إعرابه مفعولا مطلقا، وإذا لم يعد على المصدر كان مفعولا به.