فإذا كان بالمعنى الأول كان المفعول المطلق مبينا للمقدار، وليس مبينا للنوع، ولا العدد، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:" سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" فقوله: (رضا نفسه) ليس مبينا لنوع عامله المقدر، وهو (اسبح)، ولا لعدده، وإنما المعنى مقدار ذلك. ثم إن قوله (زنة عرشة) في أي قسم من الأقسام التي ذكرها النحاة يسلك؟
أنك إذا قلت (سبحان الله عدد الرمال وزنة الجبال) فهل يكون (زنة الجبال) مبينا لنوع العامل؟ إنه إذا كان قولك (عدد الرمال) مبينا لعدد العامل فإن قولك (وزنة الجبال) يكون مبينا لوزن العامل.
ومن هذا القسم فيما أرى ما كان دالا على كلية المصدر، وبعضيته، نحو ضربته كل الضرب، وضربته بعض الضرب، وشيئا من الضرب، وجزءا منه ونصيبا منه) فهذا ليس مبينا لنوع الضرب، ولا لعدده، وإنما هو لبيان مقدار الضرب، ومنه قوله تعالى:{ولا يظلمون فتيلا}[النساء: ٤٩].
فقوله (فتيلا) ليس مؤكدا لعامله، ولا مبينا لنوعه، ولا لعدده، بل المقصود أنهم لا يظلون ظلما وإن كان قليلا فهو مبين لمقدار العامل.
إن النحاة يجعلون هذا من المبين للنوع، وأحسب أن في هذا بعدا فقولك (ضربت كل الضرب) يختلف عن قولك (ضربت ضربا شديدا مبرحا) فالأولى بيان لكمية الضرب، لا لنوعه، بخلاف الجملة الأخرى، فإنها مبينة لنوع الضرب، وكذلك لو قلت:(ضربت جزءا من الضرب أو نصيبا منه) فإنها مبينة لمقدار الضرب لا لنوعه.
إن النحاة يلحون على تقسيمهم المذكور، ولا يحاولون أن يجدوا عنه معدلا، ولو كان فيه تعسف وبعد، ألا ترى أن بعض النحاة يجعل (العدد) من المبين للنوع ففي قوله تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدة}[النور: ٤]، يجعل العدد (ثمانين) من المبين للنوع ولا يجعله نائبا عن المبين للعدد (١)، فأي تعسف أبعد من هذا؟