ومثله قوله تعالى:{والله أنبتكم من الأرض نباتا}[نوح: ١٧]، أي أنبتكم فنبتم نباتا (١). أي طاوعتم أمر ربكم ولو قال (إنباتا) لما زاد على المعنى، ونحوه أن تقول:(اخرجته خروجا) أي أخرجته فخرج خروجا فكسبنا المعنيين في آن واحد، الاخراج والخروج.
ونحو أن تقول: أدبته تأدبا أي أدبته فتأدب تأدبا، أي قبل التأدب.
ومنه قوله تعالى في مريم عليها السلام {وأنبتها نباتا حسنا}[آل عمران: ٣٧]، ولم يقل (إنباتا لأنه لو قال (إنباتا) لم يجعل لها فضلا، لأنه لم يزد على معنى الإنبات، وإنما قال (نباتا حسنا) على معنى أنها قبلت الانبات فنبتت نباتا حسنا، فجعل لها في معدنها الكريم، وشخصها الطاهر قبولا لذلك الانبات واستجابة له، ولو قال (إنباتا) لجردها من هذا المعنى، والله أعلم.
ومنه قوله تعالى:{ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا}[النساء: ٦٠]، والقياس أن يضلهم أضلالا بعيدا، لأن مصدر (أضل) الإضلال، أما الضلال فهو مصدر (ضل)، قال تعالى:{فقد ضل ضلال بعيدا}[النساء: ١١٦]، والمعنى أن يضلهم فيضلوا ضلالا بعيدا، وقد جمع المعنيين: الإضلال والضلال في آن واحد، والمعنى أن الشيطان يريد أن يضلهم ثم يريدهم بعد ذلك أن يضلوا هم بأنفسهم، فالشيطان يبدأ المرحلة وهو يتمونها، فهو يريد منهم المشاركة في أن يبتدعوا الضلال ويذهبوا فيه كل مذهب. يريد أن يطمئن أنهم يقومون مهمته هو.
والقاعدة أنه ما أختلف فيه لفظ الفعل عن لفظ المفعول المطلق فالمراد زيادة المعنى بجمع معنيين أو أكثر ما وسعت ذلك اللغة واتسع المقام.
(١) التفسير الكبير ٣٠/ ١٤٠، الهمع ١/ ١٨٦، ابن يعيش ١/ ١١١