والحقيقة أنه يمكن أن يقال (صبرا جميلا) كما يقال (اصبر صبرا جميلا) ويقال (إقداما في المعركة) كما يقال (أقدم في المعركة إقداما) ولكن ليس القولان بمعنى واحد، فهناك فرق بين قولنا (إقداما) وقولنا (أقدم إقداما) و (صبرا جميلا) و (اصبر صبرا جميلا) إن قولنا: (إقداما يا فلان) معنى الصدر فيه معنى الأمر، ولكن إذا قلنا (أقدم إقداما يا فلان) كان المصدر مؤكدا للفعل، وليس دالا على الأمر، وكذلك إذا قلنا (صبرا جميلا) كان معنى المصدر فيه (إصبر) لكن إذا قلنا (اصبر صبرا جميلا) كان المصدر مبينا للنوع، وليس نائبا عن فعل الأمر، ولا يؤدي معناه، فإنه يحق لك أن تقول العبارتين، ولكن كلا بمعنى، فإذا أردت أن ينوب المصدر عن فعل الأمر جئت بالمصدر فقط، وإذا لم ترد ذلك وإنما أردت أن يكون الصدر مؤكدا أو مبينا اتيت بعامله.
وهذا الأمر نفسه جار في الدعاء، تقول: سقيا لك ورعيا له، وتقول: سقاك الله سقيا ورعاك الله رعيا، فالمصدر في التعبيرين الأخيرين لا يراد به الدعاء، وإنما هو مؤكد للفعل، فإذا أردت أن يكون المصدر نفسه للدعاء جئت بالمصدر بلا فعل، جاء في (الكتاب): " هذا باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره، وذلك قولك سقيا ورعيا، ونحو قولك: خيبة، ودفرا، وجدعا، وعقرا، وبؤسا، وافة وتفة، وبعدا وسحقا، ومن ذلك قولك: تعسا وتبا وجوعا وجوسا .. وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له، أو عليه على إضمار الفعل، كأك قلت: سقاك الله سقيا ورعاك رعيا ..
وإنما اختزل الفعل هنا لأنهم جعلوه بدلا من اللفظ بالفعل، كما جعل الحذر بدلا من احذر، وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله، ورعاك الله ..
وما جاء منه لا يظهر له فعل فهو على هذا المثال نصب، كأنك جعلت بهرًا بدلاً من بهرك الله، فهذا تمثيل ولا يتكلم به" (١).
(١) سيبويه ١/ ١٥٦ - ١٥٧، وانظر ابن يعيش ١/ ١١٤، ١٢٠