للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي هو الفعل، فإنه موضوع للدلالة عليه" (١).

إن المصدر المنصوب يدل على التوقيت، والمرفوع يدل على العموم والثبوت، جاء في (معاني القرآن) للفراء: " وأما قوله تعالى: {فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان} [البقرة: ١٧٨]، فإنه رفع، وهو بمنزلة الأمر في الظاهر، كما تقول: من لقي العدو فصبرا واحتسابا، فهذا نصبه ورفعه جائز، وإنما كن الرفع وجه الكلام لأنه عامة فيمن فعل، ويراد بها من لم يفعل، فكأنه قال: فالأمر فيها على هذا فيرفع، وينصب الفعل إذا كان أمرا عند الشيء يقع ليس بدائع، مثل قولك للرجل: إذا أخذت في عملك فجدا جدا وسير سيرا، نصبت لأنك لم تنو به العموم، فيصير كالشيء الواجب على من أتاه وفعله، ... وأما قوله: {فضرب الرقاب} [محمد: ٤]، فإنه حثهم على القتل إذا لقوا العدو ولم يكن الحث كالشيء الذي يجب بفعل قبله فلذلك نصب وهو بمنزلة قولك: إذا لقيتم العدو فتهليلا وتكبيرا وصدقا عند تلك الوقعة .. كأنه حث لهم (٢).

ونحو قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: ٢٢٩]، فرفع إمساكا وتسريحًا للدلالة على الدوام، وعلى أنها ليست حالة موقوتة.

ويذكر النحاة فرقا آخر بين المرفوع والمنصوب، هو أن المرفوع قد يفيد أن الشيء قد حصل وثبت واستقر، بخلاف المنصوب نحو رحمة الله له، وويل له، بمعنى حصل له هذا، وثبت أما إذا قلت رحمة له وويلا، فأنت تدعو له أو عليه، ولم يحصل ذلك بعد جاء في (كتاب سيبويه): " هذا باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء، وذلك قولك: سلام عليك، ولبيك، وخير بين يديك وويل لك، وويح لك، وويس لك، وويلة لك، وعولة لك، وخير له، وشر له، ولعنة الله على الكافرين، فهذه الحروف كلها مبتدأة مبني عليها ما بعدها، والمعنى فيهن أنك ابتدأت شيئا قد ثبت عندك، ولست في حال حديث تعمل في إثباتها وتزجيتها، وفيما ذلك


(١) كليات أبي البقاء ٣٢٨
(٢) معاني القرآن ١/ ١٠٩، وانظر أيضا ٢/ ٣٩

<<  <  ج: ص:  >  >>