للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما اشتراط أن المصدر نائب عن فعل أسند لاسم عين، فغير سديد لأنه يجب أن يكون ذاك، وإنما الذي يجب هو أن يكون المصدر لا يصح الإخبار به عن المبتدأ، سواء كان اسم معنى، أم اسم ذات، نحو المنون تقريعًا تقريعا، وما الدهر إلا تقلبا (١). والإمتحان اقترابا اقترابا، والخوف انتشارا انتشارا، وهذه ليست أسماء أعيان.

وأما اشتراط التكرار لوجوب الحذف، فلا أراه سديدا أيضا، لأن قولك (محمد سيرا) أصله عند النحاة (محمد سيرا سيرا) حذف فعله جوازا، فأصبح (محمد سيرا غير أن النحاة لا يجيزون حذف الفعل، من نحو قولنا (محمد يسير سيرا) لأنه مؤكد وهذا تناقض، فمرة يقولون هو ممتنع الحذف، ومرة يقولون هو جائز الحذف، والصواب فيما نرى أن هذا الصدر نائب عن الفعل وليس مؤكدا، وأنه واجب الحذف لا جائزه، لأنه لو ذكر لأصبح مؤكدا لا نائبا، ومثله المكرر فإنه يصح أن نقول (محمد يسير سيرا سيرا)، ولكن المصدر هنا مؤكد، والثاني توكيد له، وتكرر التوكيد غير عزيز في اللغة، قال تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} [الحجر: ٣٠]، وقال: {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} [الفجر: ٢١]، وليس المصدر هنا أعني في قولنا (محمد يسير سيرا سيرا) نائب عن الفعل، بخلاف قولنا (محمد سيرا سيرا) فهذا تعبير وذاك تعبير، وليسا متماثلين ولا يؤديان غرضا واحدا.

ولا يصح رفع المصدر في نحو هذا، إلا على ضرب من التجوز والمبالغة، فإنه لا يصح أن نقول (محمدٌ سيرٌ) لأنك تجعل بذاك محمدا سيرا، وهو ليس كذلك.

إن ذلك لا يجوز في التعبير الحقيقي، وإنما يجوز على ضرب من التجوز، كما قالت الخنساء تصف ناقتها (فإنما هي إقبال وإدبار) فجعلتها إقبالا وادبارا لكثرة ما وقع ذلك منهما.


(١) الرضي على الكافية ١/ ١٢٨

<<  <  ج: ص:  >  >>