للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قلت (محمد سير)، فقد جعلت محمدا سيرا، لكثرة ما وقع ذلك منه، أي تحول إلى سير وهو تجوز ومبالغة.

وأما النصب على معنى هو يسير سيرا، ولكن حذف الفعل وأنيب المصدر عنه، وجعلته بدلا منه لإرادة الحدث المجرد، فبالنصب يكون التعبير حقيقا، وبالرفع ويكون مجازا.

إننا نقول (محمد سيرا) بحذف الفاعل إذا كان الحدث مستمرا متصلا، أي إذا كان متصفا بالسير الطويل، قال سيبويه: واعلم أن السير إذا كان مخبرا عنه في هذا الباب [يعني: في نحو ما أنت إلا سيرا، وأنت سيرا سيرا]، فإنما تخبر بسير متصل بعضه ببعض في أي الأحوال كان، وأما قولك (إنما أنت سيرٌ) فإنما جعلته خبرا لأنت، ولم تضمر فعلا .. وإن شئت رفعت هذا كله، فجعلت الآخر هو الأول فجاز على سعة الكلام من ذلك قول الخنساء:

ترتفع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبالٌ وإدبارُ

فجعلها الإقبال والإدبار فجاز على سعة الكلام كقولك نهارك صائم وليلك قائم (١).

وجاء في (شرح الرضي على الكافية): " وإنما وجب حذف الفعل، لأن المقصود من مثل هذا الحصر أو التكرير وصف الشيء بدوام حصول الفعل منه، ولزومه، ووضع الفعل على الحدث والتجدد، وإن كان يستعمل المضارع في بعض المواضع للدوام أيضا، نحو قولك: زيد يؤوي الطريد ويؤمن الخائف، والله يقبض ويبسط، وذلك أيضا لمشابهته لاسم الفعل الذي لا دلالة فيه وضعا على الزمان، فلما كان المراد التنصيص على الدوام واللزوم، لم يستعمل العامل أصلا لكونه أما فعلا، وهو موضوع على التجدد أو اسم الفاعل وهو من العمل كالفعل بمشابهته، فصار العامل لازم الحذف، فإن أرادوا زيادة المبالغة جعلوا المصدر نفسه خبرا عنه، نحو (زيد سير سير)، و (ما زيد إلا سيرا)، كما ذكرنا في المبتدأ في قولنا (فإنما هي إقبال وإدبار) فيمنحي إذن عن الكلام


(١) سيبويه ١/ ١٦٨ - ١٦٩، وانظر ابن يعيش ١/ ١١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>