للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعود إلى تضمن الظرف معنى (في) فقد ذكرنا أن الظرف عند النحاة ما تضمن معنى (في) باطراد، وفي هذا نظر، فإن من الظرف ما لا يتضمن معنى (في) بل إذا قدرت هذا الحرف معه تغير المعنى وذلك نحو قوله: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} [البقرة: ٩٦]، فإنه لا يصح أن تقول: يعمر في ألف سنة، لأن المعنى إنما هو يعمر ألف سنة، لا في ألف سنة، والفرق واضح بين المعنيين فإنك إذا قلت (عمرت الدار في سنتين) كان المعنى قد أنه استغرق لتعميرها مدة سنتين، وأما يعمر ألف سنة فمعناه يبقى ألف سنة، ونحو قوله تعالى: {قال قائل منهم كم لبثم قالوا لبثنا يوما او بعض يوم} [الكهف: ١٩]، فليس المعنى أنه لبث في يوم أو في بعض يوم، ومثله أن تقول (جلست في القاعة خمسين دقيقة) فلا يصح أن يقال (في خمسين) وتقول: (سرت خمسة أميال) ولا يصح في خمسة اميال، ونحو أن تقول (فعلت هذا سبعة أيام) و (فعلت هذا في سبعة أيام) فإن معنى الجملة الأولى انني كررت الفعل سبعة أيام، ومعنى الثانية انه استغرق فعله سبعة أيام. ونحو قوله تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: : ٢٠]، وقوله: {فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون} [فصلت ٣٨]، فالأولى معناها يسبحون الأبد لا ينقطعون ولا يفترون، والثانية معناها أنهم يسبحون في هذين الوقتين كما تقول (أنام في الليل والنهار) أي في هذين الوقتين وأدرس في الليل والنهار، أي في هذين الوقتين، وليس التدريس مستمرا لا يفتر بحلاف قولك: أدرس الليل والنهار، فإن معناه الاستمرار، فإن الأولى جواب لمتى، والثانية جواب لكم، وما كان جواب (كم) لا يكون العمل فيه إلا متصلا بخلاف (متى) (١).

فليس الظرف إذن ما يتضمن (في) باطراد فحسب، فهذا النوع واحد من الظرف، وإنما الظرف على ثلاثة أقسام فما أرى:

١ - معنى (في) أي ما حل فيه الحدث، وذلك نحو جئت يوم الخميس وسافرت يوم الجمعة.


(١) انظر كتاب سيبويه ١/ ١١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>