وقال:{إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين. وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون، واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصرف الرياح آيات لقوم يعقلون}[الجاثية: ٣ - ٥].
وقال:{اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون}[الحديد: ١٧]. في حين قال:{ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقلون الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون}[العنكبوت: ٦٣].
فأنت ترى أنه لم يذكر (من) في ثمانية مواط وذكرها في موطن واحد، والسبب واضح وهو أن الآية في سورة العنكبوت تدور حول المشركين الذين يشركون بالله، ويعبدون معه آلهة أخرى، وهي تعجيب من عقولهم، وإظهار لمقدار تفكيرهم وباطلهم، فهم يعبدون آلهة من الحجر، أو من غيره في حين لو سألتهم:{من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}[العنكبوت: ٦١]، ولئن سألتهم من نزل السماء ماء فأحيا به الأرض ليقولن الله.
فهذا السياق يختلف عن كل ما سبق وهو نظير ما مر في منكري البعث، فأدخل (من) في هذا الموطن للدلالة على مقدار قدره الله وعظمها، وذلك أن قوله (أحيا الأرض بعد موتها) يعني في الزمن الذي هو بعد الموت، وهو يحتمل الزمن القريب والبعيد، أي يحصل الأحياء بعد إنزال الماء، وقد يطول الزمن بعده أو يقصر، كما ذكرنا في (بعد علم). ولكن قوله (أحيا الأرض بعد موتها) معناه، يكون الاحياء بعد الموت بلا مهلة ولا فاصل، ومعنى ذلك أن الله قادر على أن يحيى الميت فورا بلا مهلة، فهو لا يحتاج إلى زمن لاحيائه، وهو أدل على قدرة الله وإن كان كلاهما من قدرة الله وحده، وقد جاء بمن في هذا المقام للدلالة على أنهم يشاهدون ذلك، ويقرون أن الله يحيى الأرض من الموت، بلا مهلة، ومع ذلك يعبدون غيره.