العليم، بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون، ما أمنت قبلهم من قرة أهلكنها أفهم يؤمنون} [الأنبياء: ١ - ٦].
فلم يذكر (من) لعدم إرادة الابتداء وإنما هو إخبار أن الذين قبلهم لو يؤمنوا ثم قال: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[الأنبياء: ٧]، فاتضح الفرق بين السياقين.
وأظن الآن أنه اتضح الفرق بين ذكر (من) وعدمه في مواطن قد يبدو ان الفرق فيها غير ظاهر.
فـ (من) تدل على الابتداء، قال تعالى:{قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ويجعلون له أندادا ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها}[فصلت: ٩ - ١٠]، ولم تق (فوقها) لأن كلمة (فوق) تحتمل المسافة القريبة والبعيدة قال تعالى: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم}[ق: ٦]، وقال:{ورفعنا فوقكم الطور}[البقرة: ٦٣].
وقال:{أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن}[الملك: ١٩].
ونحو ذلك قوله تعالى:{وترى الملائكة حافين من حول العرش}[الزمر: ٧٥] , وقد جعل الأخفش (من) فيه زائدة، وهي ليست زائدة، ولكنها للابتداء والله أعلم، وذلك أن المعنى أن صفوف الملائكة تبدأ مباشرة من حول العرش، ولو قال (حول العرش) لاحتمل المسافة القريبة والبعيدة، في حين أن (من) أفادت أن الصفوف تبدأ مباشرة من حول العرش.
ونحوه قوله تعالى:{لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل}[الزمر: ١٦]، ولم يقل (فوقهم) أي أن الظلل تكون ابتداء من فوقهم، ومن تحت أرجلهم بلا فاصل بينها وبينهم، بخلاف ما لو قال فوقهم وتحتهم، لأن ذلك يحتمل المسافة القريبة والبعيدة، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراد كلامه.