وقد ورد كلمة (لدن) الظرفية في القرآن الكريم سبع عشر مرة، كلها في الرحمة، والحنان، والخير، واللين، ونحوه، وهو استعمال قريب لمعنى الليونة، وأحيانا لمعنى التلبث وهو استعمال طريف، اعني إكساء معنى (لدن) الظرفية معنى اللدونة.
قال تعالى:{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}[آل عمران: ٨].
وقال:{هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}[آل عمران: ٣٨].
وقال:{إذ أوي الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا}[الكهف: ١٠]، وقال:{فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}[الكهف: ٦٥]، وقال:{وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا}[مريم: ١٣].
وقال موسى للرجال الصالح:{إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا}[الكهف: ٧٦]، ولم يأت بعند وهي هنا كما تفيد معنى الظرفية، تفيد معنى التمكث والتلبث، وليس في (عند) هذا المعنى فكأنه قال: قد بلغت العذر في تمكثك وصبرك علي، وتلبثك على إلحاحي في السؤال وهو استعمال رفيع.
وقد تقول: الم يرد قوله تعالى: {لينذر بأسا شديدا من لدنه}[الكهف: ٢]، وهذا ليس في اللين والرحمة؟
فأقول أن هذا هو الموطن الوحيد الذي اقترن به البأس فيه والشدة بلدن، ومع ذلك هو في الرحمة، والنص يوضح ذلك، قال تعالى:{الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا}[الكهف: ١ - ٣]، فهذا الكلام هو في القرآن الكريم الذي هو خير، ورحمة، منذرا ومبشرا، والخير يكون فيهما جميعًا.