لأنه على ذلك يكون معناه أنه حضر كل من يمكن حضوره في الدنيا من رجال ونساء وأطفال وغيرهم، إلا خالدا، وهو غير صحيح، فإنه يمكن أن لا يجيئك إلا واحد، ولكن يمتنع أن يأتيك أهل الدنيا كلهم إلا واحدا.
فالقصر في التفريغ اعم وأشمل.
والقصر له اساليب وأدوات، فقد يكون القصر بـ (إنما) نحو (إنما أنتَ مبطل). وقد يكون بالنفي والاستثناء نحو (ما أنت إلا شاعرٌ). وقد يكون بحرف العطف، نحو:{أقبل محمد لا خالد)، وقد يكون بتقديم ما حقه التأخير نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين}[الفاتحة: ٥]، و (محمد أكرمت).
وقد مر (القصر) بـ (إنما) في الأحراف المشبة بالفعل، ومر القصر بالتقديم في المبتدأ والخبر وفي المفعول به، وقد عرفنا أن القصر بإنما يكون لما هو ظاهر مما لا ينكره المخاطب، أو ما نزل هذه المنزلة نحو (إنما هو أخاك){إنما نح مصلحون}[البقرة: ١١]، ويحسن وقوعها في التعريض كقوله تعالى:{إنما يتذكر أولوا الألباب}[الرعد: ١٩].
وأما القصر بالفي والاستثناء فإنما يكون لما ينكره المخاطب كأن تقول (ما ضر به إلا قاسم) إذا كان المخاطب ينكر أن يكون الضارب قاسمًا جاء في (نهاية الإيجاز) أن قولهم ما هو إلا كذاب، وإن هو إلا كذاب إنما يستعمل في الأمر الذي ينكره المخاطب، أو ما ينزل هذه المنزلة وإذا كان كذلك فلا يصح استعمال هذه العبارة في الأمر الظاهر، فلا تقول للرجل الذي ترققه على أخيه، وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم (ما هو إلا أخوك).
مثال الأول إذا رأيت شخصا من بعيد فقلت (ما هو إلا زيد) لم تقله إلا وصاحبك يتوهم أنه غير زيد ويجد في إنكار أنه زيد" (١).
(١) نهاية الإيجاز (١٥٢)، وانظر الإيضاح ١٢٣، شرخ المختصر ٨٥