وأما القصر بالعطف نحو (جاء محمد لا خالد) فإنما يكون بين أمرين، أو أمور تثبت بعضها منها، وتنفي بعضا فقولك (جاء محمد لا خالد) إنما ثبت فيه المجيء لمحمد ونفيته عن خالد، وأما قولك (ما جاء إلا خالد) فقد أثبت في المجيء لخالد ونفيته عمن سواه، فالقصر عن طريق النفي والاستثاء أعم، فالبعطف تذكر أمورًا معينة، يكون الاثبات لبعضها والنفي لبعضها الآخر، فقولك (أكرمت محمدا لا سعدا) إنما ذكرت فيه شخصين فقط، أثبت الاكرام لأحدهما ونفيته عن الاخر، بخلاف قولك (ما أكرمت إلا محمدا) فقد نفيت الاكرام عن كل شخص إلا محمدا، فالقصر عن طريق النفي والاستثناء أعم وأشم.
وأما القصر بالتقديم فقد يكون لغير إنكار، أو دفع لإرادة تخصيص المتقدم بالحكم وقد يكون السامع لا ينكر هذا الأمر، كأن تقول (خالدا أكرمته) أي خصصته بالكرم والمخاطب لا ينكر هذا ولا يدفعه، قال تعالى:{إياك نعبد وإياك نستعين}[الفاتحة: ٥] وقال: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}[البقرة: ٨٧]، فهذا لا يحسن المجيء بالنفي وإلا وإن كان المعنى على القصر، وذلك أن المعنى أنكم من الرسل على طريقتين أما أن تقتلوهم وإما أن تكذبوهم وهم لا ينكرون ذلك بما يقرونه، فهم خصوا فريقا بالتكذيب، وخصوا فريقا بالقتل.
ونحو قوله تعالى:{أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتسون ما تشركون}[الأنعام: ٤٠ - ٤١]، فهم يقرون أنهم إذا أصابهم الضر خصوا ربهم بالدعاء، ونسوا ما يشركون.
وقد يكون الأمر يجهله المخاطب، وذلك كقوله (هو لانفسه ينصر ولا ابنه يزجر) أي هو لا يقدر أن يخص نفسه بنصر، ولا ابنه بزجر، وتقول (هو نفسه يظلم وصديقه يحرم).
وقد يكون التقديم لغرض التوجيه والتعليم، وليس من باب الرد على فعل أو اعتقاد، أي أن هذا الأمر ينبغي أن يكون مخصوصا بالمتقدم، وذلك كقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: