{وربك فكبر}[المدثر: ٣]، أي خص ربك بالتكبير فهذا من باب التوجيه. والتعليم، وليس ردا على فعل أو اعتقاد بخلاف القصر بالاستثناء الذي فيه رد على إنكار وفيه قوة وتأكيد، وقد جاءه التوكيد والقوة من الرد على الإنكار. لأن المنكر يحتاج إلى قوة وتأكيد في الرد عليه ولذا يؤتى به في المواقف التي يحتاج إلى تأكيد كبير أو إلى رد على إنكار قال تعالى:{وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله}[البقرة: ٨٣]، فجاء به في مقام التوكيد والتغليظ وهو أخذ العهود المواثيق، وقال:{إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت}[هود: ٨٨]، وهو على لسان شعيب عليه السلام، بعد أن أنكر عليه قوما قائلين:{قالوا يا شعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد}[هود: ٨٧]، فرد على إنكارهم بالنفي والاستثناء، ومنه قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام ناعيا على الشرك وأهله:{أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله امر ألا تعبدون إلا إياه}[يوسف: ٣٩ - ٤٠]، فانظر كيف جاء بالحصر على طريقة النفي والاستثناء منكرا عليهم شركهم:{ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتوها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه}[يوسف: ٤٠].
وقد يكون التقديم لغير إرادة القصر بل لمجرد الاهتمام بخلاف الاستثناء المفرغ الذي لا يكون إلا للعصر وذلك نحو قوله تعالى:{ونوحا هدينا من قبل}[الأنعام: ٨٤]، فإنه ليس معناه لم نهد إلا نوحا، ونحو قوله تعالى:{فأما اليتيم فلا تقهر: وأما السائل فلا تنهر}[الضحى: ٩ - ١٠]، فإنه ليس على معنى القصر، وذلك لأنه على القصر يكون المعنى أنه منهي عن قهر اليتيم دون غيره من الخلق، فإنه يجوز له أن يقهر غير اليتيم، وينهر غير السائل، وهذا المعنى غير مراد، وإنما قدم ما قدم للاهتمام، وذلك لأن اليتيم ضعيف وأنه مظنة للقهر، وكذلك السائل فقدمهما للاهتمام بأمرها.