المجيء يكون سعيا، قال الله عز وجل:{ثم ادعوهن يأتينك سعيا}(١)[البقرة: ٢٦٠].
ورأي المبرد أسوغ من رأي النحاة، وذلك لأنه كثير والكثرة تخول القايس عليها.
وقد يعرض هذا السؤال وهو: لم يعدل العرب عن الوصف إلى المصدر أحيايا؟ وهل لذلك غرض؟
الحق أنه لا يعدل من تعبير إلى تعبير إلا يصحبه عدول من معنى إلى معنى، فقولك (أقبل ركضا) وإن كان في التأويل (أقبل راكضا) لا يطابقه في المعنى. وإنما يعدا من الوصف إلى المصدر لغرضين:
الأول: المبالغة، فإن المصدر هو الحدث المجرد، والوصف هو الحدث مع الذات، فـ (ساعيا) في قولك (اقبل أخوك ساعيا) يدل على الحدث وذات الفاعل، أما المصدر فهو الحدث المجرد من الذات والزمن، ولذا يمتنع الأخبار بالمصدر عن (الذات، لا تقول (محمد سعيٌ) ولا (هو ركضٌ) بل تقول (محمد ساعٍ)، و (هو راكض).
فإن قلت (أقبل أخوك سعيا) كان المعنى أن أخاك تحول إلى سعي، ولم يبق فيه شيء من عنصر الذات، لم يبق فيه ما يثقله من عنصر المادة بل تحول إلى حدث مجرد وهذا مبالغة، وكذلك قولك (أقبل ركضا) معناه أنه تحول إلى الركض عند إقباله، ومثله قوله تعالى:{ثم ادعوهن يأتينك سعيا} فقد قال (سعيا) ولم يقل (ساعيات) والسياق يوضح ذلك قال تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا، واعلم أن الله عزيز حكيم}[البقرة: ٢٦٠].
إن الأثر يقول أن الله تعالى أمر سيدنا إبراهيم (ع) أن يأخذ أربعة من الطير، فيذبحهن ويقطع أوصالهن، ويدقهن جميعا، حتى يكن عجينة واحدة، مختلطة متماثلة ثم أمره أن يجزيء هذا الكتلة المتماثلة إلى أربعة أجزاء، ثم يجعل على كل جبل جزءا.