فللتضمين غرض بلاغي لطيف، وهو الجمع بين معنيين بأخصر أسلوب، وذلك بذكر فعل وذكر حرف جر يستعمل مع فعل آخر، فنكسب بذلك معنيين: معنى الفعل الأول ومعنى الفعل الثاني، وذلك نحو قوله تعالى:{ونصرناه من القوم الذين كذبوا}[الأنبياء: ٧٧]، فقد ذهب قوم إلى أن (من) ههنا بمعنى (على)، وهذا فيه نظر، فإن هناك فرقا في المعنى بين قولك (نصره منه) و (نصره عليه) فالصر عليه يعني التمكن منه والاستعلاء عليه والغلبة، قال تعالى:{ويخزهم وينصركم عليهم}[التوبة ١٤]، وقال:{فانصرنا على القوم الكافرين}[البقرة: ٢٨٦]، أي مكنا منهم، وليس هذا معنى نصره منه.
أما (نصرناه منهم) فإنه بمعنى نجيناه منهم، أو منعناه منهم، قال تعالى:{ويقوم من ينصرني من الله إن طردتهم}[هود: ٣٠]، فليس المعنى من ينصرني على الله، بل من ينجيني ويمنعني منه؟
وقد تقول: ما الفرق بين قولنا {ونجيناه من القوم} وقولنا {نصرناه من القوم} والجواب أن النتيجة تتعلق بالناجي فقط، فعندما تقول {نجيته منهم} كان المعنى أنك خلصته منهم، ولم تذكر أنك تعرضت للآخرين بشيء، كما تقول (أنجيته من الغرق) ولا تقول (نصرته من الغرق)، لأن الغرق ليس شيئا ينتصف منه.
أما النصر منه ففيه جانبان في الغالب: جانب الناجي، وجانب الذين نجي منهم، فعندما تقول (نصرته منهم) كان المعنى أنك نجيته وعاقبت أولئك، أو أخذت له حقه منهم.
وهذه فائدة التضمين ففيه كسب معنيين في تعبير واحد معنى الفعل المذكور والفعل والمحذوف الذي ذكر شيء من متعلقاته.
وللتضمين صور أخرى، فقد يضمن فعل متعد معني فعل لازم كقوله تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره}[النور: ٦٣]، فإن (خالف) فعل متعد يقال: (خالفت أمره) ولا يقال: (خالفت عن أمره)، ولكن ضمن معنى الابتعاد والخروج، والانحراف، كأنه قال: فليحذر الذين يبتعدون عن أمره، أو ينحرفون عن أمره.