للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمعنى (أطعمه من جوعٍ) أنه كان جائعا فأطعمه، وليس معناه أنما أبعد الجوع عنه، فقد يكون أطعمه ولم يشبعه أي لم يبعد الجوع عنه، وسقاه ولم يروه، أي لم يبعد الظمأ عنه، ولكن المعنى أنه كان ظامئا فسقاه، أي: ابتداء السقي كان من حالة الظمأ، أي أول ما نزل الماء نزل على ظمأ، فالظمأ كان ابتداء للسقي وليس معناه أبعد الظمأ عنه.

وذكروا لها معاني أخرى، منها:

البدل، نحو قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا} [البقرة: ٤٨]، وفي الحديث (صومي عن أمك) (١). وتقول: تكلم خالد عن القوم، أي: بدلهم.

وفي هذا معنى المجاوزة أيضا فمعنى الحديث: ارفعي الصوم عن أمك بصيامك إذ إن أمها كانت مدينة لله يصوم فقال: ارفعي هذا الدين عنها. وكذلك الآية فإن معناها أنه لا يحتمل أحد عن أحد شيئا من الوزر، أو العذاب أي لا يبعده عنه، وكذلك قولك (تكمل خالد عن القوم) فإن معناه أبعد الكلام عنهم وتكلم هو، ففيها معنى المجاوزة.

والاستعلاء نحو قوله تعالى: {ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه} [محمد: ٣٨]، أي على نفسه، وقيل بل هي على بابها والمعنى يبعد الخير عن نفسه بالخبل (٢).

وهو أولى وذلك أن ثمة فرقا بين قولك (يبخل على نفسه) و (يبخل عن نفسه) فقولك (يبخل على نفسه) معناه أن عاقبة بخله تعود عليه، كقوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: ٢٨٦]، لما كانت العاقبة سوء جيء بـ (على)، وكقوله تعالى: {إنما بغيكم على أنفسكم} [يونس: ٢٣].

ويحتمل معنى آخر، هو أنه لا ينفق على نفسه، أي يثقلها بالبخل، فكأنه البخل حمل يعلوه، وأما بخله عن نفسه فمعناه أنه يبخل منصرفا عن نفسه، أي منصرفا عن مصلحة نفسه مبتعدا عنها فإن البخل في الحقيقة ابتعاد عن مصلحة النفس، فكأنه يبتعد عن نفسه بالبخل بخلاف الانفاق فإنه لها.


(١) المغني ١/ ١٤٧
(٢) التصريح ٢/ ١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>