ويبدو أن كلام أبي هلال ليس دقيقا، فالتشبيه بمثل يكون في الذات والصفات فإنك تقول:(ليس مثل المتنبي شاعر) ولا شك أن كل الشعراء مثله في ذاته، وتقول: ليس كالمتنبي شاعر. والعرب تقول هي مثل الشمس، ومثل البدر. قال الشاعر:
مه عاذلي فهائمًا لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحى.
ولا شك أن ذات الإنسان لا تماثل ذات الشمس، وإنما هو تشبيه بصفة الحسن والجمال. غير أن التشبيه بمثل أقرب من الكاف فقولك (هي مثل البدر) أقرب في الشبه من (هي كالبدر) لأنك في الأولى تدعى المماثلة، والمماثلة أقرب من عموم الشبه.
وعلى هذا يمكن أن يقال إنه جاء بالكاف ومثل، لنفي المماثلة والشبه كليهما ولو جاء بالكاف وحده لكان نفيا للمشابهة فقط، ولو جاء بمثل لكان نفيا للمماثلة فجاء بهما لنفي المشابهة القريبة والبعيدة.
والذي يبدو لي أن الكاف ليس زائدة، بل هي على معناها، وإيضاح ذلك أنك تقول (هي مثل البدر) و (هي كمثل البدر) فقولك (هي مثل البدر) أقرب في الشبه إلى البدر من كمثل البدر، وذلك لمجيئك في الثانية بأداتي تشبيه: الكاف ومثل، وإذا حذفت أداة التشبيه كان الشبه أقرب. فلو قلت (هي البدر) لكان أقرب كما هو معلوم لأنك تدعي أنها البدر وليست شبيهة به.
فقولك (هي البدر) أقرب في الشبه من (هي كالبدر أو مثل البدر).
وقولك (هي مثل البدر) أقرب إلى الشبه من قولك (هي كمثل البدر) فإنك في الأخيرة أبعده الشبه بذكر أداتين للتشبيه، فلو قال تعال (ليس مثله شيء) لكان ينفي ذا الشبه القريب أو المثل القريب. ولكنه قال (ليس كمثله شيء) مريدًا بذلك نفي المشابهة ولو من وجه بعيد على معنى أنه لا يشبهه شيء ولو من وجه بعيد.