للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يفيد القصر قوله تعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} [آل عمران: ١٢٢]، أي ليخصوا ربهم وحده بالتوكل (١).، فإنه لا يصح التوكل على غيره، وقوله: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} [الأعراف: ٢٠٦]، فقدم الجار، والمجرور، في (له يسجدون) للقصر، أي يخصونه بالعبادة لا يشركون به أحدا (٢).

وكقوله تعالى: {ألا إلى الله تصير الأمور} [الشورى: ٥٣]، " لأن المعنى أن الله تعالى مختص بصيرورة الأمور إليه، دون غيره، ونحو قوله تعالى: {إنا إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: ٢٥، ٢٦] (٣).

ومن ذلك قوله تعالى: {إنا لله وإنا إليه راجعون} [البقرة: ١٥٦]، فنحن نرجع إليه لا إلى غيره، وكقوله: {إليه يرد علم الساعة} [فصلت: ٤٧]، فإنه مختص بعلم الساعة، وإليه يرد علمها لا إلى غيره، ومثله قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الأخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [البقرة: ٩٤]، فقدم لكم للاختصاص، إذ قال لهم إن كانت لكم الدار الآخرة خالصة لكم وحدكم لا يشارككم فيها كما تزعمون فتمنوا الموت.

ونحو قوله تعالى: {ونحن له مسلمون} [البقرة: ١٣٦]، و [نحن له عابدون] البقرة ١٣٨، ومنه قوله تعالى: {قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} [الملك: ٢٩]، فإنه أخر به عن آمنا فقال آمنا به، وقد عليه على توكلنا فقال وعليه توكلنا، وذلك أن الموطن الأول ليس موطن قصر، فالإيمان لا يقتصر على الإيمان بالله، بل يكون به وبملائكته وبكتبه، ورسله وباليوم الآخر، وغير ذلك، ولذا لم يقدم (به) ولو قدمه لأفاد القصر ولكان المعنى لا يؤمنون إلا به، وقدم الجار والمجرور، في وعليه توكلنا لأن التوكل لا يكون إلا عليه كما قال في موطن آخر (وعلى الله فليتوكل المؤمنون).


(١) انظر الكشاف ١/ ٣٥٨
(٢) انظر الكشاف ١/ ٥٩٤
(٣) الطراز ٢/ ٧٠ - ٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>