فأخر وقدّم بحسب المعني جاء في (البرهان) في هذه الآية: (فإن الإيمان لما لم يكن منحصرًا في الإيمان بالله بل لابد معه من رسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر مما يتوقف صحة الإيمان عليه بخلاف التوكل فإنه لا يكون إلا على الله وحده، لتفرده بالقدرة والعلم القديمين الباقيين، قدم الجار والمجرور فيه ليؤذن باختصاص التوكل من العبد على الله دون غيره، لأن غيره لا يملك ضرًا ولا نفعًا فيتوكل عليه)(١).
وقد يكون التقديم لغير القصر بل للتعظيم، أو للتحقير، أو لتعجيل المسرة والمساءة، وغير ذلك من ضروب الاهتمام، وذلك نحو قوله تعالى:{والله بما تعملون خبير}[آل عمران: ١٨٠]، فهذا لا يفيد القصر لأن الله خبير بما نعمل، وبغير ذلك أيضا، ولا تختص خبرته بعملنا، بل أن خبرته مطلقة لا يحدها شيء ولكن لما كان الكلام علينا وعلى أعمالنا قدمها لنرتدع ونحذر، ومثله {إن الله كان عليكم رقيبا}[النساء: ١]، وهذا التقديم لا يفيد القصر أيضا لأن رقابة الله لا تختص بنا، فهو رقيب على كل شيء، قال تعالى:{وكان الله على كل شيء رقيبا}[الأحزاب: ٥٢]، ولكن لما كان الأمر يتعلق بأعمالنا قدم (عليكم) للتخويف والتحذير.
ومن ذلك قوله تعالى:{والذين هم على صلاتهم يحافظون}[المعارج: ٣٤]، فقدم الجار والمجرور على الفعل وهذا التقدي لا يفيد القصر أيضا، وذلك لأن المحافظة لا تقتصر على الصلاة بل هي لعموم حدود الله وفرائضه، قال تعالى {والحافظون لحدود الله}[التوبة: ١١٢]، ولكنه قدم الصلاة لتعظيم أمرها.
ومثله قوله تعالى:{وجعلنا السماء سقفا محفوظًا وهم عن آياتها معرضون}[الأنبياء: ٣٢]، وأعراضهم لا يختص بآيات السماء، بل هم معرضون عن آيات الأرض والسماء. قال تعالى:{وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون}[يوسف: ١٠٥]، ولكن لما تقدم الكلام على السماء، خص آياتها بالذكر، فقال (وهم عن آياتها معرضون) فقدم الجار والمجرور للتعظيم.