للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون التقديم والتأخير لأداء معنى لا يفهم بدونه وذلك نحو قوله تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: ٢٨]، فإنه قدم (من آل فرعون) على الفعل (يكتم) لإفادة أن هذا الرجل هو من آل فرعون، ولو آخره، وقال (وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون) لما فهم أنه منهم (١). بل لاحتمال المعنى أن هذا الرجل يكتم إيمانه من آل فرعون، أي يخفيه منهم، والمعنى الأول هو المطلوب.

ونحو ذلك قوله تعالى: {وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين} [يس: ٢٠]، وقوله: {وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا يموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} [القصص: ٢٠]، فإنه قدم (من أقصى المدينة) على (رجل) في آية يس وآخرها في آية القصص وذلك لأن المعنى مختلف فمعنى قوله تعالى {وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى} إن هذا الرجل جاء ساعيا من أقصى المدينة، فالمجيء كان من أقصى المدينة.

أما في آية القصص، فالمعنى أن الرجل كان مسكنه في أقصى المدينة، كما تقول (تكلم رجل من أعلى القوم أو من أدناهم) فليس المقصود أنه كان جالسا في الأعلى، وتكلم من هناك، وإنما المعنى أنه من علية القوم فهو صفة وكذلك الآية.

جاء في (درة التنزيل): " وأما الآية الأولى من سورة القصص [يعني قوله: وجاء رجل من أقصى المدينة] فإن المراد جاء من لا يعرفه موسى من مكان لم يكن مجاورا لمكانه فاعلمه ما فيه الكفار من ائتمارهم به (٢). ويحتمل أيضا المعنى الأول فهو تعبير احتمالي.

ونحو هذا أن تقول (قدم من القرية رجل) و (قدم رجل من القرية) فمعنى الأولى أن قدومه كان من القرية، وأما الثانية فتحتمل هذا المعنى وتحتمل أن الرجل قروي، أي هو من أهل القرية، وربما لم يكن قدومه هذا من القرية.


(١) انظر درة التنزيل _ ٣٩٠
(٢) درة التنزيل ٣٩٠

<<  <  ج: ص:  >  >>