للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان الكلام منفيا كان تقديم المجرور يفيد نفي وقوع الحدث على المتقدم، وإثباته لغيره، تقول (ما ذهبت إلى سعيد) و (ما إلى سعيد ذهبت) فالأولى تفيد أنك نفيت الذهاب إلى سعيد، ولم تفد أنك ذهبت إلى غيره، فربما كنت ذهبت أو لم تكن، أما في الثانية فإنك نفيت الذهاب إلى سعيد وأثبته إلى غيره، أي أذهب إلى سعيد وإنما إلى غيره ولذا يصح أن تقول: (ما ذهبت إلى سعيد ولا إلى غير)، ولا يصح أن تقول (ما إلى سعيد ذهبت ولا إلى غيره) لأنه تناقض، لأن قولك (ما إلى سعيد ذهبت) معناه أنك ذهبت إلى غيره فيكف تقول: ولا إلى غيره؟ جاء في (نهاية الإيجاز): " فإذا قلت (ما أمرتك بهذا) فقد نفيت عن نفسك امره بذلك، ولم يجب أن تكون قد أمرته بشيء آخر، وإذا قلت (ما بهذا امرتك) كنت قد أمرته بشيء غيره (١).

أما تقديم الجار والمجرور على غير متعلقة فللعناية والاهتمام أيضا، وهذا الأمر جار في عموم رصف الكلمات، فأنت بما قدمته أعني، وتتدرج العناية والاهتمام مع الكلمات تدرجا تنازليا فما قدمته، أولا هو أهم، وهكذا إلى آخرها ذكرا، فقولك (ذهب إلى المسجد خالد) يفيد أن العناية بالجار والمجرور أكثر من قولك (ذهب خالد إلى المسجد) قال تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا} [آل عمران: ١٥١]، فقدم الجار والمجرور (في قلوب) على المفعول به (الرعب) وذلك لأن الأهم في هذا الموطن مكان الرعب، لا الرعب نفسه، إذ المهم أن تمتليء قلوب الكافرين بالرعب وليس المهم أن يوضع الرعب في مكان آخر.

ثم أن الأهمية والعناية يحددها المقام، فقد تكون العناية في مقام تقتضي تقديم لفظ ما وقد تقتضي في مقام آخر تأخير ما قدمته، وذلك نحو: (مررت بخالد على القائد) و (مررت على القائد بخالد) فالاهتمام بخالد في الجملة الأولى أكبر، وفي الثانية بالعكس، وذلك كأن يكون الموطن في الأولى الاهتمام بأمر خالد وليس الدخول على القائد، والثانية بالعكس، قال تعالى:


(١) نهاية الإيجاز ١٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>