والحق أنه ليس ثمة تطابق بين هذه الأحرف، فـ (أن) تفيد التوكيد، وأما (أن) و (ما) فبينهما أوجه اختلاف منها:
١ - أن (أن) تفيد الاستقبال في الغالب، و (ما) تفيد الحال، وذلك إذا دخلتا على الفعل المضارع، فمن ذلك قوله تعالى:{إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم}[المائدة: ١١]، فـ (يبسطوا) المقصود به الاستقبال، ولو قال (ما يبسطون) لكان للحال، وقوله:{هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدًا}[الكهف: ٦٦]، أي شريطة أن تعلمني، فالتعليم في المستقبل، ولو قال (على ما تعلمني) لكان المقصود به الحال.
وقوله:{فذرهم وما يفترون}[الأنعام: ١٢]، و {وأنا بريء مما تجرمون}[هود: ٣٥]، فهذه كلها للحال بعكس (أن).
٢ - أن (ما) قد تكون ظرفية زمانية بخلاف (أن) وذلك نحو قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن: ١٦]، وقوله:{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا}[مريم: ٣١]، وقولك:(أنت مفلح ما تفعل الخير) أي مدة فعلك الخير.
٣ - أن (ما) تكون اسما موصولا وتكوف حرفًا مصدريا، وفي قسم من التعبيرات يحتمل الكلام المعنيين، فيكون من باب التعبير الاحتمالي الذي سبقت له نظائر، وذلك نحو:{ساء ما يعملون}[المائدة: ٦٦]، فقد يحتمل المعنى ساء عملهم وساء الذي يعملونه، وقوله:{يآيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك}[الزخرف: ٤٩]، فالمعنى يحتمل ادع ربك بعهده عندك، ويحتمل بالذي عهده عندك، ويحتمل بالذي عهده عندك، ونحوه قوله:{قال ياليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}[يس: ٢٦ - ٢٧]، فهذا يحتمل ياليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي، ويحتمل أنه ياليتهم يعلمون بالشيء الذي غفر لي به ربي.
ونحوه أن تقول:(صبرت على ما كذبتني) فالمعنى يحتمل (صبرت على تكذيبي) ويحتمل صبرت على ما كذبتني به، أي الشيء الذي كذبتني به ونحوه أن تقول (صدق ما عاهد الله) فهذا يحتمل أنه صدق عهد الله، ويحتمل صدق ما عاهد الله عليه، أي صدق الشيء الذي عاهد الله عليه.