٤ - ولكون (ما) كذلك أي أنها قد تكون مصدرية، وقد تكون اسما موصولا وقد تحتمل المعنيين أحيانا يؤتى بـ (أن) إذا أريد التنصيص على المصدر، وبخاصة إذا كان مجيء (ما) قد يصرف الكلام إلى معنى آخر، وذلك نحو قوله تعالى:{ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}[البقرة: ١٠٥]، فلو أبدلت (ما) بـ (أن) لكان المعنى أنهم لا يودون ما ينزل عليكم، أي لا يودون الخير النازل عليكم من الله، وكقوله تعالى:{عبس وتولى أن جاءه الأعمى}[عبس: ١، ٢]، أي لمجيء الأعمى، ولو قلت: عبس وتولى لما جاءه الأعمى أو بما جاءه الأعمى لكان المعنى: عبس للشيء الذي جاء به الأعمى ولم يأت الأعمى بشيء، وإنما عبس لمجيئه لا لشيء جاء به، ولو قال (عبس وتولى ما جاءه الأعمى)، لكان المعنى أنه عبس وتولى كلما جاءه الأعمى، وكلا المعنيين غير مراد.
ونحوه قوله تعالى:{وما تشاءون إلا أن يشاء الله}[التكوير: ٢٩]، والمعنى أنكم لا تشاؤون إلا بمشيئة الله، أي إلا إذا شاء الله، ولو قيل (وما تشاؤون إلا ما يشاء الله) لكان المعنى أنكم لا تشاؤون إلا الشيء الذي يريده الله ويشاؤه. وهذا غير مراد ولا يصح.
٥ - الأصل في مصدر (ما) أن يكون مخصوصًا، وفي مصدر (أن) أن يكون لإرادة مجرد الحدث، ـ وهذا فرق رئيس بين استعماليهما، ولذا لا يحسن وضع أحداهما، مكان الأخرى أحيانا، فمثلا قوله تعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}[النساء: ٦٥]، يصح فيه تأويل (مما قضيت) بمصدر فتقول: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من قضائك)، ولكن مع ذلك لا يحسن وضع (أن) مكان (ما) فلا تقول: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا من أن قضيت) لأن المعنى سيكون عند ذلك: عليهم ألا يجدوا في أنفسهم حرجا من كونك تقضي، أو من مبدأ أنك تقضي، وليس هذا المقصود، وليس في أنفسهم