وقوله تعالى:{واسجدى واركعي}[آل عمران: ٤٣]، وقوله تعالى:{نموت ونحيا}[المؤمنون: ٣٧]، والأصل في الاستعمال الحقيقة، لو كانت للترتيب لتناقض قوله تعالى:{وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة}[البقرة: ٥٨]، وقوله في موضع آخر:{وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا}[الأعراف: ١٦١]، إذ القصة واحدة" (١).
والحق أنها لا تفيد الترتيب، بدليل قوله تعالى:{قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب}[البقرة: ١٣٦]، ولا شك أن ما أنزل إلى محمد متأخر عما أنزل إلى إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء، ونحوه قوله تعالى:{كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله}[الشورى: ٣]، فلو كانت الواو تفيد الترتيب، لكان الوحي إليه قبل الوحي إلى الذين من قبله، وهو غير صحيح.
وقد تقول إنها وردت للترتيب أيضا في القرآن الكريم، وذلك كقوله تعالى:{وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى}[البقرة: ١٣٦]، وهؤلاء مذكورون على الترتيب، وكما في آية الوضوء، وهي قوله تعالى:{إذ قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}[المائدة: ٦]، فالأعضاء مذكورة بحسب الترتيب.
فنقول: ليس معنى قولنا أنها لا تفيد الترتيب، إنها لا تأتي للترتيب البتة، بل قد تأتي للترتيب وتأتي لغيره، فقد يصح أن يكون المعطوف بعد المعطوف عليه، كما يصح أن يكون قبله أو مصاحبا له، فهي قد تأتي للترتيب ولا مانع من ذلك، وإنما ردنا على الذين يزعمون انها لا تكون إلا للترتيب، ولذا نرى في القرآن الكريم تقديم الشيء على الشيء في موضع ثم قد يتأخر المتقدم في موضع آخر، وذلك كتقديم الضرر والنفع، فهو مرة يقول:{ما لا ينفعهم ولا يضرهم}[الفرقان: ٥٦]، ومرة يقول:{ما لا يضرهم ولا ينفعهم}[يونس: ١٨].
(١) شرح الرضي على الكافية ٢/ ٤٠٣، وانظر المغنى ٢/ ٣٥٤، المفصل ٢/ ١٩٧، الجمل للزجاجي ٣١