وكتقدم اللعب واللهو، فمرة يقدم اللعب، وذلك كقوله تعالى:{وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو}[الأنعام: ٣٢]، وقوله:{إنما الحياة الدنيا لعب ولهو}[محمد: ٣٦]، ومرة يقدم اللهو، وذلك كقوله تعالى:{وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب}[العنكبوت: ٦٤].
وكتقديم السماء والأرض، فهو مرة يقدم السماء على الأرض، وذلك كقوله تعالى:{لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض}[سبأ: ٣]، ومرة يقدم الأرض على السماء، كما في قوله تعالى:{وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء}[يونس: ٦١].
وكتقديم السجود والركوع، فهومرة يقدم الركوع على السجود، كما في قوله تعالى:{يأيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم}[الحج: ٧٧]، وقوله تعالى:{والركع السجود}[البقرة: ١٢٥]، ومرة يقدم السجود على الركوع، كما في قوله تعالى:{يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين}[آل عمران: ٤٣].
وربما قدم شيئا في موطن، وأخره في موطن آخر والقصة واحدة، وذلك كما في قوله تعالى:{وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة}[البقرة: ٥٨]، وقوله:{وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا}[الأعراف: ١٦١]، فقد قدم السجود على القول في البقرة، وقدم القول على السجود في الأعراف والقصة واحدة، ولا تناقض في هذا، إذ لو كانت الواو تفيد الترتيب لتناقض القولان.
إن التقديم والتأخير بالواو، يدخل في عموم موضوع التقديم والتأخير، فالتقديم، إنما يكون للاهتمام والعناية بالمتقدم، وتختلف العناية باختلاف المواطن، فقد يعني المتكلم في موطن بأمر فيقدمه، وقد يكون العناية في موطن آخر بأمر فيقدم ذلك الشيء.
وكلمة العناية والاهتمام عامة، ومظاهرها ومواطنها متعددة متشعبة، ولا يحسن الاكتفاء بأن تقول: إن ما قدم ههنا إنما قدم للعناية والاهتمام، دون أن نبين وجه الاهتمام، فإنك إذا قلت مثلا إنما قدم السماء على الأرض في سورة سبأ للعناية بالسماء وقدم الأرض على السماء في سورة يونس للعناية بالأرض، قيل لك: ولم كانت العناية هناك بالسماء وهنا بالأرض؟