وإذا قلت: إنما قدم السجود على القول في البقرة، للعناية والاهتمام بالسجود، وقدم القول على السجود في الأعراف للعناية بالقول، قيل: ولم كانت العناية بالقول أهم من السجود ههنا؟
فهذا كلام عام لا يتبينه كثير من الناس، وقد يصبح ستارا يخفي تحته الجهل، وعندئذ يكون هذا القول عبارة عن لكمة عامة مبهمة، لا معنى واضحا تحتها، بل لا معنى لها إلا التحكم المحض، لذا سنضرب أمثلة لطرف من أوجه العناية والاهتمام، تكون مراقاة لما فوقها، وهذا الموضوع - وإن كان يدخل في موضوع التقديم والتاخير - فيه فائدة كبيرة ههنا فيما أحسب لأنه ذو مساس باستعمال الواو.
إن التقديم والتأخير تكون له أسباب متعددة يقتضيها السياق، فقد يكون السياق متدرجا حسب القدم والأولية في الوجود، فيترتب ذكر المعطوفات على هذا الأساس، وذلك نحو قوله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات: ٥٦]، فخلق الجن قبل الإنس، بدليل قوله تعالى:{والجان خلقناه من قبل من نار السموم}[الحجر: ٢٧]، ونحو {لا تأخذه سنة ولا نوم}[البقرة: ٢٥٥]، لأن السنة، وهي النعاس تسبق النوم.
وقد يكون الكلام متدرجا من القلة إلى الكثرة، فترتب المذكورات بحسب ذلك، وذلك نحو قوله تعالى:{طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}[البقرة: ١٢٥]، فكل طائفة هي أقل من التي بعدها، فتدرج من القلة إلى الكثرة، فالطائفون أقل من العاكفين، لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة، والعكوف يكون في المساجد عموما، والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة، أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد، والراكعون أقل من الساجدين، وذلك لأن لكل ركعة سجدتين، ثم إن كل راكع لابد أن يسجد، وقد يكون سجود ليس له ركوع، كسجود التلاوة وسجود الشكر، فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة، ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام، فإن الكلام على بيت الحرام، قال تعالى:{وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود}[البقرة: ١٢٥]، فالطائفون هم ألصق