للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والواو في الثانية أفادت المغايرة، فجعلت التذبيح غير سوء العذاب، وسر هذه المغايرة هو أن قوله تعالى: {يذبحون أبناءكم} بلا واو، وفي (إبراهيم) بالواو" لأن الأولى من كلامه تعالى لهم، فلم يعدد عليهم المحن تكريما في الخطاب، والثانية من كلام موسى فعددها عليهم" (١).

جاء في (معاني القرآن): " فمعنى الواو أنهم يمسهم العذاب غير التذبيح، كأنه قال: يعذبونكم بغير الذبح والذبح.

ومعنى طرح الواو كأنه تفسير لصفات العذاب، وإذا كان الخبر من العذاب أو الثواب مجملا في كلمة، ثم فسرته فاجعله بغير الواو، وإذا كان أوله غيره فبالواو، فمن المجمل قول الله عز وجل: {ومن يفعل ذلك يلق أثاما} [الفرقان: ٦٨]، فالأثام فيه نية العذاب قليلة وكثيره، ثم فسره بغير الواو، فقال: {يضاعف له العذاب يوم القيامة} [الفرقان: ٦٩] ولو كان غير مجمل لم يكن ما ليس به تفسيرا له، ألا ترى أنك تقول: عندي دابتان بقل وبردون، ولا يجوز عندي دابتان وبغل وبرذون، وأنت تريد تفسير الدابتين بالبغل والبرذون (٢).

وقد يؤتي بها للتنصيص على جمع حكمين، وذلك إذا كان طرحها يحتمل الاضراب عن الحكم الأول، كما تقول (ضربت محمدا وخالدا) فإنك دللت بالواو أنك ضربتهما جميعا، فإن طرحت الواو دل على أنك ضربت خالدا، وأضربت عن الحكم السابق.

جاء في دلائل الإعجاز: " واعلم أنه إذا كان المخبر عنه في الجملتين، واحدا كقولنا: هو يقول ويفعل ويضر وينفع، ويسيء، ويحسن، ويأمر وينهى، ويحل ويعقد، ويأخذ، ويعطي ويبيع ويشتري ويأكل ويشرب وأشباه ذلك ازداد معنى الجمع في الواو قوة وظهورا، وكان الأمر حينئذ صريحا، وذلك أنك إذا قلت: هو يضر وينفع كنت قد أفدت بالواو، أنك أوجبت له الفعلين جميعا، وجعلته يفعلهما معا، ولو قلت (يضر ينفع) من غير واو لم يجب ذلك، بل قد يجوز أن يكون قولك (ينفع) رجوعا عن قولك (يضر) وإبطالا له" (٣).


(١) الاتقان ٢/ ١١٥، وانظر معترك الاقران ١/ ٧٨ - ٨٨
(٢) معاني القرآن ٢/ ٦٨ - ٦٩
(٣) دلائل الإعجاز ١٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>