للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء في (شرح قطر الندى): " وتعقيب كل شيء بحسبه، فإذا قلت (دخلت البصرة فبغداد)، وكان بينهما ثلاثة أيام، ودخلت بعد الثالث، فذلك تعقيب في مثل هذا عادة فإذا دخلت بعد الرابع أو الخامس، فليس بتعقيب ولم يجز الكلام" (١).

وفي شرح ابن يعيش: أن معنى قولك (دخلت الكوفة فالبصرة).

" إن البصرة داخلة في الدخول، كالكوفة على سبيل الاتصال، ومعنى ذلك أنه لم يقطع سيره الذي دخل به الكوفة حتى اتصل بالسير الذي دخل به البصرة من غير فتور ولا مهلة (٢).

غير أن في لزوم إفادة الفاء التعقيب بحثا فقد ورد في القرآن الكريم التعبير بالفاء في غير ما يفيد التعقيب، وذلك نحو قوله تعالى: {والذي أخرج المرعي فجعله غثاء أحوى} [الأعلى: ٤ - ٥]، فجعله غثاء أسود لا يعقب خروج المرعي، بل يكون بعده بمدة بدليل قوله تعالى في آية أخرى {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما} [الزمر: ٢١]، فعبر عن جعله حطاما بـ (ثم)، ونحوه ما جاء في سورة الحديد: {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما} [الحديد: ٢٠].

ومن ذلك قوله تعالى: {وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم} [البقرة: ٢٢]، فاخراج الثمرات لا يعقب نزول الماء بل بينهما مهلة ومدة، ونحوه قوله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [النحل: ٤]، وخصومة الإنسان لا تعقب كونه نطفة، بل إن الإنسان ينتقل في أطوار حتى يبلغ الرشد، قال تعالى: {يأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم} [الحج: ٥]، فعبر عما دون ذلك وأقرب منه بـ (ثم).


(١) شرح قطر الندى ٣٠٢
(٢) شرح ابن يعيش ٨/ ٩٥

<<  <  ج: ص:  >  >>