للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وللنحاة في ذلك تخريجات منها أن الفاء نابت عن (ثم)، ومنها أن في الكلام حذفًا يقتضيه المعنى إذ التقدير في آية الأعلى " والذي أخرج المرعى فمضت مدة فجعله غثاء (١).

ومثل هذا الحذف كثير في القرآن الكريم فإنه - أي القرآن - يذكر ما يريد ذكره وما هو محط العناية والاهتمام ويطوي ما عدا ذلك، فلا يذكره وذلك نحو قوله تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} [البقرة: ٦٠]، أي فضربه فانفجرت فحذف الفعل، (فضربه) لأنه مفهوم من السياق، ولأنه لا يتعلق غرض بذكره، فقوله {فانفجرت} في عقب الفعل المحذوف لا في عقب (فقلنا اضرب).

ونحوه قوله تعالى: {فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا} [الفرقان: ٣٦]، فإن التقدير: فذهبا إلى أولئك القوم فدعوا هم إلى عبادة الله وأرياهم آياته فكذبوهما فدمرناهم تدميرا، فقوله: {فدمرناهم تدميرا} ليس في عقب (فقلنا اذهبا) وإنما في عقب المحذوف وهو التكذيب بالآيات الذي هو مفهوم من السياق.

وهناك توجيه آخر، وهو أن الأصل في الفاء أن تكون للتعقيب، وهذا التعقيب قد يكون حقيقا، وذلك كما في قوله تعالى: {ثم أماته فأقبره} [عبس: ٢١]، وقوله: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس} [البقرة: ٣٤].

وقد يكون التعقيب مجازيا كما في قوله تعالى: {والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوي} ومعنى التعقيب المجازي أن المقام يقتضي المتكلم تقصير المدة الطويلة فيأتي بالفاء وقد يقتضيه العكس فيأتي بـ (ثم)، فيقال مثلا في مقام: (الدنيا طويلة)، وفي مقام يقال: (الدنيا قصيرة)، ألا ترى إنك تقد تقول مهددا خصمك: (الأيام طويلة وأنا لك بالمرصاد) وفي مقام تقول: (الدنيا قصيرة وسنلتقي عند أحكم الحاكمين).


(١) حاشية الخضري ٢/ ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>