للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء في (الأمالي النحوية) لابن الحاجب في قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة} [الحج: ٦٣]، " الفاء للتعقيب من غير مهلة، وإصباح الأرض مخضرة بعد الإنزال إنما يكون بمهلة، أن هذه الفاء فاء السببية، وفاء السببية لا يشترط فيها ذلك وإنما شرطها أن يكون ما بعدها مسببا عن الأول كما لو صرح بالشرط، ألا ترى إلى صحة قولك: (أن يسلم زيد فهو يدخل الجنة) مع العلم بالمهملة العظيمة بينهما" (١).

ويمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} [النحل: ٤]، فإنه يمكن أن يخرج على أن القصد إسراع الإنسان في الخصومة فليس بين كونه نطفة، وكونه خصيما إلا فترة النمو، فهو من قبيل (تزوج فلان فولد له)، ويمكن حمل ذلك على السببية أي كان عاقبة خلقه من نطفة، والإحسان إليه خصومته لربه فكأنما خلقه كان سببا للخصومة.

وذلك أنك تقول: (مدحني فكافأته، وأسديت له معروفا فشكرني) فالمدح سبب المكافأة، وإسداء المعروف سبب الشكر، وقد يكون الجزء على عكس المؤمل والمرجو كما تقول (أحسنت إليه فأساء إلي، ودفعت عنه فشتمني) أي كان إحساني إليه سببا للإساءة إلي ودفعني عنه كان سببا لشتمي، وعلى هذا يمكن حمل قوله تعالى {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} أي هو بدل أن يكون شاكرا لربه عارفا له حقه كان خصما له، جاحدًا لنعمه، كما تقول: (غذوته وربيته فإذا هو عدو لي أي أن غذائي وتربيتي إياه كان سببا لعداوتي.

ولا تؤدي (ثم) هذا المعنى.

والفاء العاطفة لا تفيد السبب دومًا، بل هي قد تفيد، كما في قوله تعالى: {فوكزه موسى فقضى عليه}، وربما لم تفده كما في قوله تعالى: {فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم} [الذاريات: ٢٦، ٢٧] (٢).


(١) الأمالي النحوية: ٤
(٢) المغني ١/ ١٦٣

<<  <  ج: ص:  >  >>