تلك هي فصول المسرحية التي شهدتها بغداد في زمن الخليفة القائم بأمر الله أو لقطات منها:
وفي خضم تلك الأحداث لم ينصرف السمناني عن التأليف فخلف لنا كتابه "روضة القضاة" يدعو فيه لقضاء عادل، قضاته على جانب كبير من العلم بالشرع والاجتهاد لو أمكن تحقيق حلمه المنشود.
[ما أثمرته روضة القضاة]
أما وقد علمنا أن مصنف روضة القضاة كان ضحية من ضحايا القضاء فأخفق في اتباع نسبه من أسرة السمناني العراقية العريقة ولم ينصف في مجلس القضاء، ولا في مجلس التظلم وآب من دعواه بصلح يقاسي فيه مرارة الحرمان، حرمان ابن الجارية من نسب السيد مولاها كما هزمت أمه من قبل في صراعها مع السيدة زوجة قاضي القضاة أبي جعفر فبيعت بثمن بخس فهل أثرت تلك الأحداث على نفس المؤلف.
أجل لقد أثرت كل الأثر ولكنه تماسك وتجلد كما أشرنا فدل على نجابة وصلابة في الحق واتجه إلى التأليف ليحيط بتأليفه عالم الحق بما يمكنه من الضمانات الخلقية وعمد إلى تبسيط مؤلفه ليكون مرجعاً لا للعلماء والخاصة فقط بل للمتعلمين ليتعلم الجميع حقوقهم المقررة شرعاً وليتعلم الإنسان أن له كرامة وحقوقاً.
وأكبر الظن أن تلك الأحداث أثرت في نفسه تأثيراً عميقاً فحذر من تولية القاضي الجاهل لأن "البلية به أشد، لاسيما إذا اختصما في المعاملات والمواريث والمسائل المشكلة في الفروع التي يتجاذبها شبه الأصول".
وحذر من تولية "متهم في الحكم لئلا يجور" وكتب يقول: لا ينبغي أن يختار للقضاء "إلا من يغلب على الظن أنه أوفا مختار، وأكمل إنسان".
وينبغي لمن تملك الولاية أن يختار لهذه الرتبة من لا يقدر العالم على أصلح منه، ولا أفضل ولا أكمل، كما اختار الله تعالى لرسالته صفوة كل عالم، هذا