فريق في الأصول والفروع «ويتولون ذلك عنه» كما يتولاه بنفسه، ولو كلفناه العلم بذلك مع ضيق الزمان وكثرة الأشغال لأدى ذلك إلى انقطاع زمانه، وفوات تدبير الخلق، لأن العلم كثير والمسائل صعبة، ولا يكاد يجتمع جميع العلوم في الشخص الواحد إلا نادراً شاذاً، ويجتمع مجموع العلوم في الأشخاص فإذا احتاج إلى نوع من ذلك رجع إلى أهله، وقاس ذلك على القضاء، وعمل في ذلك مثله على طريق التقدير، أن أحداً من العلماء الماضيين لم يكتمل له جميع العلوم، وتفصيل الجملة التي ذكرناها مع معرفة الفروع أجمع، ولكن قوله يؤدي إلى أن يكون كل من قام بما ذكره يجوز أن يكون إماماً.
والإجماع من الجمهور بخلافه على أن الإمام إنما يكون واحداً في العصر، القضاة كثيرون، فيحق أن نعتبر في الواحد جميع الشرائط، ومنها أن يكون ذا رأي وسياسة ليدبر السلم والحرب، ويضع الأمور مواضعها فيلين في موضع اللين، ويشتد في موضع الشدة، ومنها أن يكون شجاعاً حتى لا يجبن في إقامة الحدود، ومقاومة أهل الحروب. ومنها أن يكون في ظاهرة عدلاً غير فاسق، لأنه إن فسق بوجه من وجوه الفسق لم يوثق بعدله، ولم يؤمن أن يحيف في الأحكام، وأن يجبي ما لا يستحقه من المال ويصرفه إلى ما لا يستحقه لأنه أمين فيما يأخذ ويعطي فإذا كان فاسقاً لم يؤمر أمير على المسلمين ولا يعقد له ولاية ولا يجب له علينا طاعة، لأنه ينوب عن الله ورسوله عليه السلام في الأرض، فلا ينبغي له أن يأخذ ما يجب لله تعالى وللمسلمين لنفسه ولا يعطيه لغير مستحقه.