ولا يولي القضاء إلا الموثوق به في عفافه وعقله وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه، ولا يولى صاحب رأي لا علم له بالسنة والأحاديث ولا صاحب حديث ليس له علم بالفقه، ولا ينبغي أن يفتي إلا من كان هكذا، إلا أن يفتي بشيء قد سمعه.
فصل
٢٧ - ومن أصحابنا من قال لا يولى الحكم إلا رجل من أهل الاجتهاد ولا يكون مجتهداً إلا أن يعرف أصول الأحكام التي يجتهد فيها، وهي الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستدلال، ولا يمكنه علم هذه الأصول ولا الاستدلال بها وإن كانت معلومة للناظر فيها إلا أن يكون قد علمها على وجه مخصوص، أو يكون في حكم العالم بها على هذا الوجه، وهو أن يعلم أنها ثابتة على وجه يجب أن يقيس عليها يستدل بها، لأنه إذا لم يعلم ذلك لم يكن له أن يقيس عليها ويستدل بها لأن ما لا يعلم ثبوته لا يقاس عليه ولا يستدل به.
قال: وهذا القدر، يغنى عن أن يقول لابد للقائس أو المستدل بهذه الأصول على الاجتهاد أن يكون عالماً بالنسخ والمنسوخ والخاص والعام والحقيقة والمجاز، والمحكم والمتشابه، وجميع ما عددنا فيما تقدم، لأنه لا يكون عالماً بشيء من ذلك حتى يعلم جميع الأقسام المتقدمة. لأنه إذا لم يعلم الناسخ لم يمكنه أن يعرف الحكم الطارئ الذي هو ثابت في الشرع.
٢٨ - وقد طول الجماعة الكلام في ذلك، واحضر ما يمكن أن يقال أن يكون عارفاً بالخطاب وما يتفرع عليه ويستفاد به، والأفعال وما يتفرع عليها ويستفاد حكمه بها، أو يرجع إلى هذين الأصلين. فهذا أخصر ما يمكن. ويدخل فيه جميع ما ذكرناه (والحمد لله).