للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُمْ وَمَاذَا جَزَيْتَهُمْ؟ قَالَ أَمَّا الزُّهَّادُ فِي الدُّنْيَا فَإِنِّي أَبَحْتُهُمْ جَنَّتِي، يَتَبَوَّءُونَ مِنْهَا حَيْثُ شَاءُوا. وَأَمَّا الْوَرِعُونَ عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ يَبْقَ عَبْدٌ إلَّا نَاقَشْتُهُ وَفَتَّشْتُهُ إلَّا الْوَرِعُونَ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ وَأُجِلُّهُمْ وَأُكْرِمُهُمْ وَأُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَأَمَّا الْبَكَّاءُونَ مِنْ خَشْيَتِي فَأُولَئِكَ لَهُمْ الرَّفِيقُ الْأَعْلَى لَا يُشَارَكُونَ فِيهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيّ وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَا تَزَيَّنَ الْأَبْرَارُ فِي الدُّنْيَا بِمِثْلِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا» رَوَاهُ أَبُو يُعْلَى وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ. وَمِثْلُهُ مَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَرْفُوعًا «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَزْهَدُ فِي الدُّنْيَا فَادْنُوا مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُلْقِي الْحِكْمَةَ» .

وَالْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ.

ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ مَزَايَا الْقَنَاعَةِ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ فَقَالَ:

مَطْلَبٌ: مَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ لَا سَبِيلَ إلَى رِضَاهُ

فَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى ... رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ

(فَمَنْ) أَيْ فَالْإِنْسَانُ الَّذِي (لَمْ يُقْنِعْهُ) وَيَكْفِهِ (الْكَفَافُ) وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَزِدْ عَنْ قَدْرِ الْحَاجَةِ وَكَفَّ عَنْ الْمَسْأَلَةِ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَدِدْت أَنِّي سَلِمْت مِنْ الْخِلَافَةِ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الْكَفَافُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ مِنْ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، انْتَهَى.

وَفِي شِعْرِ مَجْنُونِ لَيْلَى قَيْسِ بْنِ الْمُلَوَّحِ:

وَدِدْت عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ لَوْ أَنَّهُ ... يُزَادُ لَهَا فِي عُمُرِهَا مِنْ حَيَاتِيَا

عَلَى أَنَّنِي رَاضٍ بِأَنْ أَحْمِلَ الْهَوَى ... وَأَخْلُصَ مِنْهُ لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَا

وَفِي بَعْضِ الدَّوَاوِينِ:

فَلَيْتَكُمْ لَمْ تَعْرِفُونِي وَلَيْتنِي ... خَلَصْت كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَا

وَفِيهِ الشَّاهِدِ، فَإِذَا الْإِنْسَانُ لَمْ يَقْنَعْ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ الدُّنْيَا (فَمَا) نَافِيَةٌ حِجَازِيَّةٌ (إلَى رِضَاهُ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُهَا مُقَدَّمٌ وَ (سَبِيلٌ) اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ وَالْجُمْلَةُ مَحَلُّهَا الْجَزْمُ جَوَابُ مَنْ. وَالْمَعْنَى لَيْسَ طَرِيقٌ وَلَا سَبَبٌ يَنْتَهِي إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>