أَوْ مَطْلُوبٍ. نَعَمْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ وَنَدِمَ وَتَابَ لَا يُطَالَبُ بِهِ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ كَلَامِ صَاحِبِ الرِّعَايَةِ: إنَّهُ غَرِيبٌ بَعِيدٌ لَمْ أَجِدْ بِهِ قَائِلًا، وَإِنْ احْتَجَّ أَحْمَدُ لِذَلِكَ بِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا فَالْجَوَابُ الْحُكْمُ الْمَعْلُومُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ كَذَا فَأَقَرَّ بِهِ أُلْزِمَ بِأَدَائِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَجَابَ بِأَنْ قَالَ تُبْت مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُنِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ، وَأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ ذَلِكَ لَتَعَطَّلَتْ الْأَحْكَامُ وَبَطَلَتْ الْحُقُوقُ، وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ.
وَمَنْ أَخَذَهُ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لَا يُمْنَعُ مِنْ طَلَبِهِ بِهِ وَإِلْزَامِهِ بِهِ إجْمَاعًا، فَهَذَا أَوْلَى لِظُلْمِهِ. وَأَمَّا إنْ أَنْفَقَهُ وَأَتْلَفَهُ مُسْلِمٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يُجَازَى عَلَيْهِ وَلَا أَنَّهُ يَتْبَعُ بِهِ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَكْلِيفِهِ وَدُخُولِهِ النَّارَ بِتَحْمِيلِهِ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِ الْمَالِ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا صَغِيرًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ حَرْقِهِ وَغَرَقِهِ مِنْ الْمَصَائِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ التَّائِبُ مَلَكَ الْمَوْتِ
(الثَّالِثُ) : تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مَا لَمْ يُعَايِنْ التَّائِبُ مَلَكَ الْمَوْتِ، وَقِيلَ مَا دَامَ مُكَلَّفًا. كَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْآدَابِ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ تُفَارِقُ الْقَلْبَ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ فَلَا يَبْقَى لَهُ نِيَّةٌ وَلَا قَصْدٌ صَحِيحٌ. فَإِنْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا صَحَّتْ، وَالْمُرَادُ مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَاعْتِبَارِ كَلَامِهِمَا. وَفِي الْكَافِي: تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ.
قَالَ: لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ قَوْلٌ. قُلْت: وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ يَظْهَرُ لَك مَا أَفْتَيْت بِهِ سَنَةَ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَأَلْفٍ وَقَدْ طَبَقَ الطَّاعُونُ الْمَمْلَكَةَ الشَّامِيَّةَ بَلْ وَالْمِصْرِيَّةَ وَالرُّومِيَّةَ وَغَيْرَهَا حَتَّى لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ إلَّا الْقَلِيلُ، فَرُفِعَ إلَيْنَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصْدُرُ عَنْ بَعْضِ الْمُحْتَضِرِينَ كَلِمَاتٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ بِحَيْثُ لَوْ صَدَرَتْ مِنْ الصَّحِيحِ قُضِيَ بِرِدَّتِهِ فَكَيْفَ تَقُولُ فِيمَنْ صَدَرَ مِنْهُ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَمُرْتَدٌّ هُوَ أَوْ لَا؟ فَأَفْتَيْت بِأَنَّ الْمُحْتَضِرَ إذَا وَصَلَ إلَى حَالَةٍ تَمْنَعُ قَبُولَ التَّوْبَةِ مِنْ الْعَاصِي، وَالْإِسْلَامِ مِنْ الْكَافِرِ، فَصَدَرَ مِنْهُ كَلِمَةٌ تَخْرُجُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِأَقْوَالِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute