مَطْلَبٌ: فِي أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ الْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ.
(تَنْبِيهَانِ) : (الْأَوَّلُ) : الْمَصَائِبُ تَتَفَاوَتُ، فَأَعْظَمُهَا الْمُصِيبَةُ فِي الدِّينِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْإِنْسَانُ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَسْلُوبُ مَنْ سُلِبَ دِينُهُ» فَإِذَا رَأَيْت إنْسَانًا لَا يُبَالِي بِمَا أَصَابَهُ فِي دِينِهِ مِنْ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا وَفَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَوْقَاتِ الطَّاعَاتِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يُحِسُّ بِأَلَمِ الْمُصِيبَةِ، فَإِنَّك لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى.
ثُمَّ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ فِي الدِّينِ الْمُصِيبَةُ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ فِي الْأَهْلِ وَهِيَ مُقَارِبَةٌ الْمُصِيبَةَ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ الْمُصِيبَةُ فِي الْمَالِ، وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ فَخَامَةِ الْمُصَابِ فِيهِ وَحَقَارَتِهِ، فَأَعْظَمُهَا أَنْفَسُهَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى شِسْعِ النَّعْلِ وَالشَّوْكَةِ فَإِنَّهُمَا فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ، فَإِنَّ حَرَّ الْمُصِيبَةِ تَنَالُ مِنْ الْقَلْبِ بِقَدْرِ مَا فَقَدَ وَتَأَلَّمَ، وَشِسْعُ النَّعْلِ فِي غَايَةِ الْخِسَّةِ.
فَنَبَّهَ الْمُصْطَفَى عَلَى أَعْلَى الْمَصَائِبِ بِقَوْلِهِ «الْمَسْلُوبُ مَنْ سُلِبَ دِينُهُ» .
مَطْلَبٌ: أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ فِي الدِّينِ مَوْتُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ الْمُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي» . وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ مُرْسَلًا أَنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَذْكُرْ مُصَابَهُ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ. وَالْأَوَّلُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.
وَهَذِهِ الْمُصِيبَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ فِي الدِّينِ.
قَالَ فِي تَسْلِيَةِ أَهْلِ الْمَصَائِبِ: وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ فِي الدُّنْيَا مَوْتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّ بِمَوْتِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْقَطَعَ الْوَحْيُ مِنْ السَّمَاءِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَانْقَطَعَتْ النُّبُوَّاتُ، وَكَانَ مَوْتُهُ أَوَّلَ ظُهُورِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ بِارْتِدَادِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute