وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرْفُوعًا «مَنْ أَكَلَ فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظْهُ، وَمَنْ لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَيُكْرَهُ ابْتِلَاعُ مَا يُخْرِجُهُ الْخِلَالُ لَا مَا يُخْرِجُ بِاللِّسَانِ وَعُمُومُ إطْلَاقِهِمْ، وَلَوْ مُنْتِنًا وَلَعَلَّهُ يُكْرَهُ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ مِنْ كَرَاهَةِ أَكْلِ اللَّحْمِ الْمُنْتِنِ خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَجَانِبِ) فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لَا سِيَّمَا فِي الْمَأْكُولَاتِ (مَا) أَيْ الشَّيْءَ الَّذِي (نَهَى اللَّهُ) جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ عَنْ إتْيَانِهِ فَلَا تَأْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا نَهَى عَنْهُ سُبْحَانَهُ إلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ فِي الْبَدَنِ، أَوْ الدِّينِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَنْتَ فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ الْمُجَانَبَةِ لِمَا نَهَى اللَّهُ (تَهْتَدِ) لِطُرُقِ الْخَيْرَاتِ، وَتَنْجُ مِنْ الْمُوبِقَاتِ.
وَتَسْلَمُ مِنْ الْعَذَابِ. وَتَخْلُصْ مِنْ الْعِقَابِ. وَكَأَنَّ النَّاظِمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَشَارَ بِهَذِهِ التَّكْمِلَةِ إلَى مُجَانَبَةِ نَحْوِ الْخُمُورِ، أَوْ مُجَالَسَةِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَوْ الْجُلُوسِ عَلَى مَائِدَةٍ يُشْرَبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ، أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَتَكُونُ تَكْمِلَةً لِلْبَيْتِ، وَهِيَ مِنْ الْحَشْوِ اللَّذِيذِ. إذْ هِيَ أَلَذُّ عَلَى قُلُوبِ أَهْلِ التَّقْوَى مِنْ اللَّحْمِ الْحَنِيذِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: يُسَنُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ
وَغَسْلُ يَدٍ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ ... وَيُكْرَهُ بِالْمَطْعُومِ غَيْرَ مُقَيَّدِ
(وَ) يَحْسُنُ يَعْنِي يُسَنُّ وَيَنْدُبُ (غَسْلُ يَدٍ) أَيْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ إنْ أَرَادَ الْأَكْلَ (قَبْلَ) تَنَاوُلِ (الطَّعَامِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَقَيْسٌ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ «سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرْته بِمَا قَرَأْت فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ، وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ» . قَالَ فِي الْآدَابِ: ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: مَا حَدَّثَ بِهِ إلَّا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ ضَعَّفَ قَيْسًا هَذَا جَمَاعَةٌ وَوَثَّقَهُ آخَرُونَ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ صَدُوقٌ وَفِيهِ كَلَامٌ لِسُوءِ حِفْظِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute