ظَنِّهِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ بِهِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَكْرَهُوهُ عَلَى فِعْلِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا لَوْ شَتَمُوهُ، أَوْ سَبُّوهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَدَّسَ اللَّهَ رُوحَهُ: إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ مَالِهِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُكْرَهًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْإِكْرَاهِ مِنْ سُلْطَانٍ، أَوْ لِصٍّ، أَوْ مُتَغَلِّبٍ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِتَعْذِيبِ وَلَدِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا، وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ بَلَى وَيُتَّجَهُ، مِثْلُ وَلَدِهِ كُلُّ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ تَعْذِيبُهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً مِنْ وَالِدٍ وَزَوْجَةٍ وَصَدِيقٍ كَمَا فِي الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّةِ لابن اللَّحَّامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
[مَطْلَبٌ: هَلْ الْأَفْضَلُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ أَنْ يُجِيبَ أَوْ يَصْبِرَ]
(الثَّانِي) : هَلْ الْأَفْضَلُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَنْ يُجِيبَ إلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، أَوْ يَصْبِرَ؟ فِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَسِيرٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ إنْ صَبَرَ فَلَهُ الشَّرَفُ، وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ فَلَهُ الرُّخْصَةُ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعْطِيَ التَّقِيَّةَ وَلَا يُظْهِرَ الْكُفْرَ حَتَّى يُقْتَلَ. وَاحْتَجَّ بِقِصَّةِ عَمَّارٍ وَخُبَيْبٍ، فَإِنَّ خُبَيْبًا لَمْ يُعْطِ أَهْلَ مَكَّةَ التَّقِيَّةَ حَتَّى قُتِلَ فَكَانَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ مِنْ عَمَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ذَكَرَ ذَلِكَ فِي قَوَاعِدِ الْأُصُولِ.
وَلَمَّا فَرَغَ النَّاظِمُ مِنْ أَحْكَامِ الدَّوَابِّ وَمِنْ وَسْمِهَا، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَمَا يُبَاحُ قَتْلُهُ، وَمَا يَحْرُمُ، وَمَا يُكْرَهُ، وَمَا يُسْتَحَبُّ وَذَكَرَ حُكْمَ الْإِكْرَاهِ، وَأَنَّهُ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ يَحِلُّ لِلْمُكْرَهِ، وَأَنَّ الْمُكْرَهَ أَقْوَالَهُ وَأَفْعَالَهُ الصَّادِرَةَ مِنْهُ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ لَغْوٌ إلَّا مَا اسْتَثْنَى أَعْقَبَ ذَلِكَ بِبَيَانِ طَرَفٍ مِنْ آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَالَ:
مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ الْأَكْلِ:
وَيُكْرَهُ نَفْخٌ فِي الْغَدَا وَتَنَفُّسٌ ... وَجَوْلَانُ أَيْدٍ فِي طَعَامٍ مُوَحَّدِ
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا، وَقَدْ مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمَكْرُوهَ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى فِعْلِهِ (نَفْخٌ) مَصْدَرُ نَفَخَ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَفَخَ بِفِيهِ أَخْرَجَ مِنْهُ الرِّيحَ (فِي الْغَدَا) مُتَعَلِّقٌ بِ نَفْخٌ.
أَصْلُ الْغَدَا طَعَامُ الْغَدْوَةِ وَجَمْعُهُ أَغْدِيَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute