قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ عَمَلِهِ وَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْكِلَابِ بَعْضُهَا أَشَدُّ أَذًى مِنْ بَعْضٍ، أَوْ لِمَعْنًى فِيهَا، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ فَتَكُونُ الْقِيرَاطَانِ فِي الْمَدَائِنِ وَنَحْوِهَا، وَالْقِيرَاطُ فِي الْبَوَادِي أَوْ يَكُونُ فِي زَمَنَيْنِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَ أَوَّلًا، ثُمَّ زَادَ فِي التَّغْلِيظِ فَذَكَرَ الْقِيرَاطَيْنِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِيرَاطِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَةِ هَذَا الْقِيرَاطِ لِمَاذَا يَكُونُ؟ فَقِيلَ: لِمَا مَضَى مِنْ عَمَلِهِ، وَقِيلَ مِنْ مُسْتَقْبَلِهِ، وَقِيلَ: قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ اللَّيْلِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ وَقِيلَ: قِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْضِ وَقِيرَاطٌ مِنْ عَمَلِ النَّفْلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي رِسَالَةٍ حَرَّرْنَا فِيهَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فَلَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قِيرَاطٌ وَلَهُ بِتَمَامِ دَفْنِهِ قِيرَاطَانِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ نِسْبَةُ ذَلِكَ لِمَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْمُصِيبَةِ مِنْ أَجْرِ الْمُصِيبَةِ وَلَوَاحِقِهَا عَلَى أَكْمَلِ حَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ مُصِيبَتِهِمْ شَيْءٌ، وَأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَصْبِرُوا، بَلْ جَزِعُوا وَتَسَخَّطُوا حَتَّى حَصَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وِزْرٌ يَكُونُ لِهَذَا الْمُصَلِّي، وَالْمُتَّبِعِ الْجِنَازَةَ قِيرَاطٌ، أَوْ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرِ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ وَلَوَاحِقِهَا أَنْ لَوْ وُجِدَ عَلَى أَتَمِّ حَالٍ.
وَأَمَّا فِي مَقَتَنِي الْكَلْبِ الَّذِي اعْتَمَدْنَاهُ فِيهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ، وَالْإِمَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ وَابْنِ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ أَنَّ الْقِيرَاطَ، أَوْ الْقِيرَاطَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَمَلِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَكَأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ دِينَارًا فَبِاقْتِنَائِهِ هَذَا الْكَلْبَ يَنْقُصُ مِنْ ذَلِكَ الدِّينَارِ قِيرَاطَانِ عَلَى أَتَمِّ وُجُوهِ الْعَمَلِ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَمَلِ نَفْسِهِ وَيَكُونُ عِظَمُ الْقِيرَاطِ وَنَقْصُهُ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ: فِي أَوَّلِ مَنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ
(فَوَائِدُ) :
(الْأُولَى) : أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: يَا رَبِّ أَمَرْتَنِي أَنْ أَصْنَعَ الْفُلْكَ وَأَنَا فِي صِنَاعَتِهِ أَصْنَعُ أَيَّامًا، فَيَجِيئُونَنِي بِاللَّيْلِ فَيُفْسِدُونَ كُلَّ مَا عَمِلْت فَمَتَى يَتِمُّ لِي مَا أَمَرْتَنِي بِهِ قَدْ طَالَ عَلَيَّ أَمْرِي فَأَوْحَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute