أَنَّهَا لِلرَّئِيسِ فَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِيمَا يَظْهَرُ تَنَاوُلُهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَالْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الطَّعَامِ إلَى الْإِخْوَانِ لَا أَنَّهُ يُوضَعُ وَيُدْعَوْنَ إلَيْهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ الْآنَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ سِيَّمَا الشَّامُ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى. وَيُقَدِّمُ مَا حَضَرَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلَا يَسْتَأْذِنُهُمْ فِي التَّقْدِيمِ.
وَمِنْ التَّكَلُّفِ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ. وَلَا يَقْتَرِحُ الزَّائِرُ طَعَامًا يُعَيِّنُهُ، وَإِنْ خُيِّرَ بَيْنَ طَعَامَيْنِ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَهُ يُسَرُّ بِمَا اقْتَرَحَهُ.
مَطْلَبٌ: فِي آدَابِ الضِّيَافَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَيَّفَ الضِّيفَانَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
النَّوْعُ الثَّانِي فِي آدَابِ الضِّيَافَةِ: اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ ضَيَّفَ الضِّيفَانَ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ الْأَبُ الثَّالِثُ، وَعَامُودُ الْعَالَمِ، وَأَبُو الْآبَاءِ، وَإِمَامُ الْحُنَفَاءِ الَّذِي اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا، وَجَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ، وَالْكِتَابَ، وَهُوَ شَيْخُ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ.
فَإِنَّهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَجَدَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ صَوَّرُوا فِيهَا صُورَتَهُ وَصُورَةَ إسْمَاعِيلَ ابْنِهِ، وَهُمَا يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ. فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ شَيْخَنَا لَمْ يَكُنْ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ. فَهُوَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلُ مَنْ ضَيَّفَ الضَّيْفَ، وَأَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ أَبَا الضِّيفَانِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ: كَانَ إبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذَا أَرَادَ الْأَكْلَ خَرَجَ مِيلًا، أَوْ مِيلَيْنِ يَلْتَمِسُ مَنْ يَأْكُلُ مَعَهُ فَبِصِدْقِ نِيَّتِهِ دَامَتْ ضِيَافَتُهُ فِي مَشْهَدِهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ بَنَى دَارَ الضِّيَافَةِ، وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ كَمَا أَخْرَجَهُ الْعَسْكَرِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: إنَّ اللَّهَ وَسَّعَ عَلَى خَلِيلِهِ فِي الْمَالِ، وَالْخَدَمِ فَاتَّخَذَ بَيْتًا لِلضِّيَافَةِ لَهُ بَابَانِ؛ يَدْخُلُ الْغَرِيبُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَيَخْرُجُ مِنْ الْآخَرِ وَجَعَلَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ كِسْوَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، وَمَائِدَةً مَنْصُوبَةً عَلَيْهَا طَعَامٌ فَيَأْكُلُ الضَّيْفُ وَيَلْبَسُ إنْ كَانَ عُرْيَانًا، وَيُجَدِّدُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
وَفْد أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي إكْرَامِ ضَيْفِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات: ٢٤] {إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: ٢٥] {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات: ٢٦] {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} [الذاريات: ٢٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute