للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يَأْكُلُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَمْلِيكٍ. وَوُجِّهَتْ رِوَايَةُ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ بِأَنَّهُ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْمُسَامَحَةِ فِيهِ، وَالْإِذْنِ عُرْفًا فَجَازَ كَصَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الضَّيْفِ فَيُتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِهِ فِيهَا حَيْثُ جَازَ. وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ شُحَّ رَبِّ الطَّعَامِ.

قَالَ الْيُونِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْآدَابِ: وَتَلْخِيصُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَمْلِكُ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ وَلَمْ تُخَالِفْهُ قَرِينَةٌ؛ كَتَلْقِيمِ بَعْضٍ بَعْضًا وَتَقْدِيمِ طَعَامٍ وَإِطْعَامِ سِنَّوْرٍ وَكَلْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ عَلِمَ رِضَا رَبِّهِ بِذَلِكَ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَالْأَوْلَى جَوَازُهُ.

وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ نَاوَلَ، أَوْ قَدَّمَ إلَى صَاحِبِهِ عَلَى الْمَائِدَةِ شَيْئًا. قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُنَاوِلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُنَاوِلُ مِنْ هَذِهِ الْمَائِدَةِ إلَى مَائِدَةٍ أُخْرَى.

قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: سَأَلَ سَائِلٌ حَنْبَلِيًّا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَ الضُّيُوفُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: كُنْتُ أَقُولُ لَا يَجُوزُ وَلَا لِسِنَّوْرٍ حَتَّى وَجَدْتُ فِي الْبُخَارِيِّ قَوْلَ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الصَّحْفَةِ. فَجَعَلْتُ أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ» . قُلْت: وَالْخَبَرُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ خَيَّاطًا دَعَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» الْحَدِيثَ وَلِرَبِّ الطَّعَامِ، أَوْ بَعْضِ أَهْلِهِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الضِّيفَانِ بِشَيْءٍ طَيِّبٍ إذَا لَمْ يَتَأَذَّ غَيْرُهُ، وَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَخْصُوصِ، أَوْ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ، وَأَنَّهُ لَا يُفْضِلُ مِنْهُ شَيْئًا بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلضَّيْفِ أَنْ يُفْضِلَ شَيْئًا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ، أَوْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ.

قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَتَسَاوِي الْقَوْمِ فِيمَا حَضَرَ أَوْلَى، بَلْ قَدْ يُتَوَجَّهُ لَوْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ إلَى أَكْلِ مَا حَضَرَ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ. قُلْت: وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِبَقِيَّتِهِمْ تَنَاوُلُ مَا عَلِمَ اخْتِصَاصَهُ بِمُعَيَّنٍ كَمَا هِيَ عَادَةُ النَّاسِ مِنْ نَحْوِ تَرْبِيَةِ لَحْمَةٍ كَبِيرَةٍ تُجْعَلُ عَلَى ذُرْوَةِ الطَّعَامِ. فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>