مَطْلَبٌ: فِي حُرْمَةِ اتِّخَاذِ السِّتْرِ الْمُحْتَوِي عَلَى صُورَةٍ
وَيَحْرُمُ سِتْرٌ أَوْ لِبَاسُ الْفَتَى الَّذِي ... حَوَى صُورَةً لِلْحَيِّ فِي نَصِّ أَحْمَدَ
(وَيَحْرُمُ) عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ (سِتْرٌ) أَيْ اتِّخَاذُهُ حَيْثُ حَوَى صُورَةً (أَوْ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (لِبَاسُ الْفَتَى) أَرَادَ بِالْفَتَى هُنَا مَا يَعُمُّ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، فَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ مِنْهُمَا لِبَاسُ الثَّوْبِ (الَّذِي حَوَى) هُوَ (صُورَةً) أَيْ مِثَالَ صُورَةٍ (لِلْحَيِّ) مِنْ الْحَيَوَانِ لِيَخْرُجَ الشَّجَرُ وَنَحْوُهُ، وَمَا أُزِيلَ مِنْهُ مَا لَا تَبْقَى مَعَهُ حَيَاةٌ (فِي نَصِّ) أَيْ مَنْصُوصِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ - يَعْنِي الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ - لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا يَنْبَغِي كَتَعْلِيقِهِ وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرِهِ لَا افْتِرَاشِهِ أَوْ جَعْلِهِ مِخَدًّا فَلَا يُكْرَهُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّكَأَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ.
انْتَهَى.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَجَعَلَ يُفْتِي وَلَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: اُدْنُهُ، فَدَنَا الرَّجُلُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ» وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حَسَنٍ «فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - يُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا» وَكَأَنَّ الْقَصْدَ طُولُ تَعْذِيبِهِ وَإِظْهَارُ عَجْزِهِ عَمَّا كَانَ تَعَاطَاهُ مُبَالَغَةً فِي تَوْبِيخِهِ وَبَيَانِ قُبْحِ فِعْلِهِ.
فَقَوْلُهُ «لَيْسَ بِنَافِخٍ» أَيْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا دَائِمًا.
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْوَعِيدُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.
فَإِنَّ وَعِيدَ الْقَاتِلِ عَمْدًا يَنْقَطِعُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ وُرُودِ تَخْلِيدِهِ بِحَمْلِ التَّخْلِيدِ عَلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ.
وَهَذَا الْوَعِيدُ أَشَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُغَيًّا بِمَا لَا يُمْكِنُ، وَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ يَتَخَلَّصُ.
وَالْجَوَابُ تَعْيِينُ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِحَمْلِهِ عَلَى إرَادَةِ الزَّجْرِ الشَّدِيدِ بِالْوَعِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute