سَبَقَهُ الْعُلَمَاءُ.
أَوْ بِالتَّعَبُّدِ فَقَدْ سَبَقَهُ الْعُبَّادُ.
أَوْ بِالْمَالِ فَالْمَالُ لَا يُوجِبُ بِنَفْسِهِ فَضِيلَةً دِينِيَّةً.
فَإِنْ قَالَ: عَرَفْت مَا لَمْ يَعْرِفْ غَيْرِي مِنْ الْعِلْمِ فِي زَمَنِي فَمَا عَلَيَّ مِمَّنْ تَقَدَّمَ.
قِيلَ لَهُ: مَا نَأْمُرُك يَا حَافِظَ الْقُرْآنِ أَنْ تَرَى نَفْسَك فِي الْحِفْظِ كَمَنْ يَحْفَظُ النِّصْفَ، وَلَا يَا فَقِيهُ أَنْ تَرَى نَفْسَك فِي الْعِلْمِ كَالْعَامِّيِّ إنَّمَا نَحْذَرُ عَلَيْك أَنْ تَرَى نَفْسَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمُؤْمِنِ وَإِنْ قَلَّ عِلْمُهُ، فَإِنَّ الْخَيْرِيَّةَ بِالْمَعَانِي لَا بِصُوَرِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ.
وَمَنْ تَأَمَّلَ خِصَالَ نَفْسِهِ وَذُنُوبَهَا عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الذُّنُوبِ وَالتَّقْصِيرِ، وَهُوَ مِنْ حَالِ غَيْرِهِ عَلَى شَكٍّ، فَاَلَّذِي نَحْذَرُ مِنْهُ الْإِعْجَابُ بِالنَّفْسِ وَرُؤْيَةُ التَّقَدُّمِ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ.
وَالْمُؤْمِنُ لَا يَزَالُ يَحْتَقِرُ نَفْسَهُ.
وَقَدْ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنْ مِتَّ نَدْفِنُك فِي حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: لَأَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِكُلِّ ذَنْبٍ غَيْرِ الشِّرْكِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَرَى نَفْسِي أَهْلًا لِذَلِكَ.
قَالَ - أَيْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ -: وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ الرُّهْبَانِ رَأَى فِي الْمَنَامِ قَائِلًا يَقُولُ لَهُ: فُلَانٌ الْإِسْكَافُ خَيْرٌ مِنْك، فَنَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ فَجَاءَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ عَمَلِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ كَبِيرَ عَمَلٍ.
فَقِيلَ لَهُ فِي الْمَنَامِ عُدْ إلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ: مِمَّ صُفْرَةُ وَجْهِك؟ فَعَادَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَا رَأَيْت مُسْلِمًا إلَّا وَظَنَنْتُهُ خَيْرًا مِنِّي، فَقِيلَ لَهُ: فَبِذَاكَ ارْتَفَعَ. انْتَهَى.
مَطْلَبٌ: الْعُجْبُ وَالْكِبْرُ مَذْمُومَانِ شَرْعًا وَطَبْعًا
(السَّادِسُ) : الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ مَذْمُومَانِ شَرْعًا وَطَبْعًا أَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ عَلِمْتَ دَلِيلَهُ.
وَأَمَّا الطَّبْعُ فَقَدْ عُلِمَ أَيْضًا مِمَّا مَرَّ وَنَزِيدُك أَيْضًا وُضُوحًا أَنَّ الْكِبْرَ حَرَكَاتٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَخَطَرَاتٌ نَفْسَانِيَّةٌ يَتَرَكَّبُ مِنْ رُؤْيَةِ قَدْرِهِ، وَنُفُوذِ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقُصُورِ غَيْرِهِ مِنْ حَالِهِ، وَيُورِثُهُ اسْتِكْبَارًا عَنْ الْحَقِّ إذَا طُولِبَ بِهِ، وَإِقَامَةَ الْمَعَاذِيرِ لِنَفْسِهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَالْغَيْبَةَ عَنْ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي هُوَ رَقِيبٌ عَلَيْهِ.
فَلَوْ لَاحَظَ ذَلِكَ لَذَلَّتْ نَفْسُهُ، وَاعْتَدَلَ كِبْرُهُ، وَصَارَ عِزَّةً؛ إذْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَظُهُورُ صِفَاتِ النَّفْسِ غَالِبًا لَا يَجْتَمِعَانِ، اللَّهُمَّ إلَّا فِي نَاقِصِ الْبَصِيرَةِ، بِحَيْثُ يُبْصِرُ أَمْرًا وَيَغِيبُ عَنْ آخَرَ، فَقَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ