للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَإِذَا سَمَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ يَجِبُ تَوْقِيرُهُمْ وَاحْتِرَامُهُمْ كَمَا فِي الْوَالِدَيْنِ. انْتَهَى.

مَطْلَبٌ: لَوْ أَمَرَهُ أَبُوهُ بِتَنَاوُلِ الْمُشْتَبَهِ هَلْ تَجِبُ طَاعَتُهُ؟

(الْخَامِسَةُ) : لَوْ أَمَرَهُ وَالِدُهُ بِتَنَاوُلِ الْمُشْتَبَهِ هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ أَوْ لَا تَجِبُ، يَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى جَوَازِ تَنَاوُلِهِ وَعَدَمِهِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ بَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَقُوَّةُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَضَعْفُهَا بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْحَرَامِ وَقِلَّتِهِ، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمَهُ الْأَزَجِيُّ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَأَطْعَمَهُ طَعَامًا فَلْيَأْكُلْ مِنْ طَعَامِهِ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وَإِنْ سَقَاهُ شَرَابًا مِنْ شَرَابِهِ فَلْيَشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِ وَلَا يَسْأَلْ عَنْهُ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُمَيْلٍ عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ: لِي جَارٌ يَأْكُلُ الرِّبَا وَلَا يَزَالُ يَدْعُونِي، فَقَالَ مُهَنَّأَهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: إنْ عَرَفْته بِعَيْنِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ. وَمُرَادُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَكَلَامُهُ لَا يُخَالِفُ هَذَا.

وَرَوَى جَمَاعَةٌ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: إذَا كَانَ لَك صَدِيقٌ عَامِلٌ فَدَعَاك إلَى طَعَامٍ فَاقْبَلْهُ فَإِنَّ مُهَنَّأَهُ لَك وَإِثْمُهُ عَلَيْهِ.

وَقَالَ مَنْصُورٌ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: عَرِيفٌ لَنَا يُصِيبُ مِنْ الظُّلْمِ وَيَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُهُ، فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لِلشَّيْطَانِ غَرَضٌ بِهَذَا لِيُوقِعَ عَدَاوَةً، قَدْ كَانَ الْعُمَّالُ يَهْمِطُونَ وَيُصِيبُونَ ثُمَّ يَدْعُونَ فَيُجَابُونَ. قُلْت نَزَلْت بِعَامِلٍ فَنَزَلَنِي وَأَجَازَنِي، قَالَ أَقْبِلْ قُلْت فَصَاحِبُ رِبَاءٍ، قَالَ أَقْبِلْ مَا لَمْ تَرَهُ بِعَيْنِهِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهَمْطُ الظُّلْمُ وَالْأَخْذُ بِلَا تَقْدِيرٍ. قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ مُحَرَّمًا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالِاحْتِمَالِ وَإِنْ تَرَكَهُ أَوْلَى. قَالَ وَيَنْبَنِي عَلَى هَذَا حُكْمُ مُعَامَلَتِهِ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَضِيَافَتِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَتِمَّة: حرمة الْوَالِدَيْنِ]

(تَتِمَّةٌ) ذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي كِتَابِهِ تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ حُرْمَةَ الْوَالِدَيْنِ وَلَمْ يُوصِ بِهِمَا لَكَانَ يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>